للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومدنية أقربها على الشر واشدها تهافتاً على بواعث

المنازعات والمخاصمات فإني للإنسان أن يصل إلى درجة الكمال الصحيح.

ولا عبرة بما يراه البعض من أن الاختراعات الحديثة المتوالية في معدات الحروب ستكون سبباً في منع الحرب بين الدول المتمدنة نظراً لخطر غوائلها من تخريب البلدان وإزهاق الأرواح وما شاكل ذلك مما تأباه بزعمهم العواطف الإنسانية الشريفة. فلو سلمنا باحتمال منع الحرب بين الأمم المتمدنة فإنما يكون المانع منها إلى أجل محدود هو المناظرة القائمة بين الدول في إعداد المهمات الحربية التي تستلزم بقاء التوازن بينهن جميعاً على أن هذا الاحتمال بعيد عن اليقين أيضاً لما عسى أن يفضى إليه استمرار المناظرة من تحمل الناس من مصائبها ما ينزع منهم الصبر فيثورون مندفعين بحكم الضرورة إلى الحرب تخلصاً من تلك المصائب وبيعاً لتعب الحال براحة المآل ولو زمنا ما.

ولو تأملنا في أحوال الوجود قليلاً لرأينا أن التمدن الغربي الحالي من أهم الأسباب الجالبة للحرب نظراً لوصول أهله من التفنن في الأعمال على درجة أوجبت سد أبواب الأرزاق في أوجه الضعفاء منهم فاضطرتهم الحال لأحد أمرين أما أن يقوموا ضد حكوماتهم وأغنياء بلادهم وأما أن يهاجروا سعياً وراء الرزق وكلا الأمرين لا يتم بغير القوة والعصبية أما الأول فيكفي في إثباته ما نراه ونسمعه من ازدياد الفوضويين والاشتراكيين والعدميين في أوروبا وما هم الأقوم ضيقت عليهم سبل الأرزاق فاضطروا إلى التجمهر والتماس الرزق بقوة السيف وطلب المساواة في جميع الحقوق وهو أمرٌ وإن لم يبعث الآن على حرب فلسوف يزداد هو له بازدياد تقدم التمدن الجديد.

<<  <   >  >>