للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث أن الرؤيا ليست لأول عابر كما تقدم تقريره، لكن قال إبراهيم بن عبد الله الكرماني: المعبر لا يغير الرؤيا عن وجهها عبارة عابر ولا غيره، وكيف يستطيع مخلوق أن يغير ما كانت نسخته من أم الكتاب؟ غير أنه يستحب لمن يتدرب في علم التأويل ألاَّ يتعرض لما سبق إليه ممن لا يشك في أمانته ودينه".

قال الحافظ تعليقًا على قول الكرماني: "وهذا مبني على تسليم أن المرائي تنسخ من أم الكتاب على وفق ما يعبرها العارف، وما المانع أنها تنسخ على وفق ما يعبرها أول عابر" (١).

وأجابوا عن حديث «إذا عبرت وقعت» بأن وقوعها بعد التعبير عبارة عن زوال التردد للرائي، فإنه لا تزال نفسه تتردد في تعبيره، فإذا عبر وقع تعبيره عنده، وليس فيه أن الواقع أيضًا يتبع تعبيره، وإنما المضرة في تعبير الرؤيا المشوهة هو التحزين لا غير (٢).

القول الثالث: قال جمهور العلماء في هذه المسألة تفصيل:

فجمعوا بين أدلة أصحاب القولين السابقين، وقالوا بينها عموم وخصوص فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» فهذا الوقوع مخصوص بما إذا أصاب حقيقة الرؤيا، ودل على هذا الخصوص قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا».

ولهذا المعنى أشار البخاري رحمه الله حيث قال في كتاب التعبير باب: من لم ير الرؤيا لأول عابر، إذا لم يصب (٣)، ثم ساق حديث ابن عباس السابق في قصة تعبير أبي بكر للرؤيا، بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -.


(١) فتح الباري (١٢/ ٤٣٧).
(٢) انظر: فتح الباري (٤/ ٤٩٤) ولسان العرب (٤/ ٥٣٠).
(٣) صحيح البخاري (٤/ ٣٠٩).

<<  <   >  >>