ولهذا القول غورٌ أبعدُ مما فهموه منه، وقد لوَّحْتُ إليه، وعسى أن أُلمَّ به في موضعٍ آخر.
وعامة ما ذُكر يمكن إدراكه بالعقل، ولاسيَّما بعد تنبيه الأنبياء، فآيات الآفاق والأنفس تدلُّ على وجود الله؛ إذ لا بُدَّ للأثر من مُؤَثِّر، فأيُّ أثرٍ نُحسُّ به في الكون لا بد له من مُؤَثِّر، فإذا فُرِضَ مُؤثِّرٌ حادِثٌ كان هو أيضًا محتاجًا إلى آخر، وهكذا حتى ينتهي الفِكْر إلى مُؤَثِّر غنيٍّ بنفسه؛ فهو الله عزَّ وجلَّ.
والآثار في الآفاق والأنفس تدلُّ على حياة المُؤَثِّر الأعظم، وقُدْرَتِه، وعِلْمِه، وحِكْمَتِه.
وما تدلُّ عليه الآثار من حِكْمَتِه يُوجب العِلْم بأنَّه لم يُنْشِئ الناس هذه النشأةَ عبثًا، ولا يَدَعُهم سُدًى وهَمَلًا، ولا يَكِلُهم إلى عقولهم المحدودة المختلفة، بل لا بدَّ أن يرشدهم، ولا توجد في الكون صورةٌ للإرشاد إلَّا النُّبوة، وبذلك تثبت النُّبوة، والملائكة، والكتب أيضًا.
وأمّا العِلْم بنبوَّة رجلٍ مُعيَّنٍ فتُعْلَم بالمعجزات، وبالعِلْم بطهارة سِيرَته، وحِرْصِه على العمل بما جاء به سرًّا وعَلَنًا، وباستقراء ما جاء به، وظهور أنَّ عامَّته مُطابقٌ للحقِّ والعدل والحكمة.
ولا يخدش في ذلك الجهل بوجه الحكمة في بعض ذلك؛ فإن ذلك