وعامَّة من خاض في ذلك هم ممَّن لم ينشأ على العلم، ولا لازم العلماء، ولا تبحَّر في الكتاب والسُّنة، وإنَّما أئمتهم الجعد بن درهم، وجهم بن صفوان، وأشباههم مِمَّن لا تُعرَف له عناية بالعلوم الدِّينية، ولا ملازمة لأئمَّتها، فقام
الأئمة المشهورون بالعلم ومُلازمة أهل العلم فبدَّعوا هؤلاء وضلَّلوهم وكفَّروهم، كما هو معروف.
فإن قال قائلٌ: لعلَّ النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أوصاهم بالكتمان! قيل له ــ مع العلم ببطلان قوله ــ: وهل كان الكتمان فرضًا، حتى إذا سمعوا مَن يذكر الحق ضلَّلوه وكفَّروه؟
فإن قال: نعم. قيل: فهل كان ذلك حقًّا أم باطلًا؟
فإن قال: بل حقًّا. قيل له: فأنت وأئمَّتك على هذا مُبْطِلون ضالَّون مُضلُّون، محاربون لله ورسوله.
واعْلم أنَّ مِن هؤلاء مَن كابَر أيضًا، ومنهم مَن رأى أنَّ المكابرة لا تجدي ففرَّ إلى ما هو أخبث وأخبث، فقال: إنَّ الأنبياء أناسٌ فضلاء أخيارٌ أرادوا إصلاح البشر، وصَفَت أنفسهم إلى درجة أنَّهم صاروا يتوهَّمون أنَّهم يسمعون كلام الله تعالى وملائكته، وإنّما كان ذلك تخيُّلًا محضًا، غير أنَّ نفوسهم لمَّا كانت طاهرة كانت تتخيَّل ما يناسب ما يريدونه من الإصلاح بحسب معرفتهم، وكانوا يعتقدون ما أخبروا به، ويرون أنّه الحقّ.
ولمَّا رأى بعض هؤلاء أنَّ ما تواتر من صفات الأنبياء ــ ممَّا يدلُّ على نهاية العقل والفِطْنة والمعرفة ــ يأبى ذلك قال: هم أناسٌ عقلاء اخترعوا لأُمَمِهِم ما يصلحونها به في دنياها.