فمن ذلك قول علماء الطبيعة: إنّ تقرير كيفيّة الإبصار يقتضي أن ترى الصُّوَر معكوسة، وهو خلاف المُشاهَد، فيا تُرى من يشاهد الصُّوَر ــ ويعلم أنّه يشاهدها مستقيمةً ــ إذا عُرِضَت عليه تلك الشبهة هل يَتَزَلْزَل عمّا يشاهده من أنّه يرى الصور مستقيمة؟!
وفي الفلسفة الحِسِّية العصرية أمثلة كثيرة من هذا.
فهكذا نحن، قد قام عندنا من البراهين ما تَيَقَنَّا به أنّ القرآن كلام الله، وأنّ محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رسول الله، فهذا اليقين هو الذي جعلنا نبادر إلى ردّ الشبهات، وإنّما نعتني بحلِّها رعاية لحال من لم يسلك الطُرُق التي سلكناها، وبها حصل لنا ذلك اليقين، وهي تحتاج إلى ممارسة وعناية، فلا يمكننا أن نحصِّلَها لِمَن لم تحصل له في مقالةٍ أو رسالةٍ؛ فلذلك نحتاج إلى حلِّ الشُّبهات.
والمقصود تقرير عُذْرِنا، ودفع تهمة التقليد والتعصُّب عنّا.
على أنّنا لا ندَّعي أنّنا نستطيع حلَّ جميع الشبهات حلًّا يقنع الخصم، ولكنّنا ندَّعي أنّه لو سَلَكَ الطُرُق التي سلكناها، وتَحَرَّى إصابة الحقّ، وتخلَّى عن التقليد والتعصب لوصل إلى ما وصلنا إليه، ولَعَلِم أنّ تلك الشبهات التي أثارها أوّلًا باطلة، سواء أعلم وجه حلّها أم لا.
فمثلُنا ومثلُ الخصم مَثَلُ رجل قال لآخر: إنّ الأرض تدور، فعَارَضَه ذاك بأنّها لو كانت تدور لتَسَاقطت الأجرام التي عليها، وكان كذا وكذا! ولْنَفْرِض أنّ المُخْبِر قد كان وقف على الدلائل التي تثبت دوران الأرض، ولم يقف على جواب الشُّبهة، فإنّه يقول للخصم: تعال معي وانظر وتفكَّر