ولو أردت تصوُّر رجلٍ حبشيٍّ لاختلفت الصُّورة التي تخيَّلتها.
فإذا وُصِف لك الرجل أنَّه أعور، أو أعرج، أو طويل، أو قصير، أَضَفْتَ هذه الصِّفة إلى تلك الصُّورة، ولكن بحسب القَدْر المشترك بين العُور والعُرْج،
والطِّوال والقِصَار الذين قد أدركتهم، على أنَّك لو كلَّفتَ نفسك تصوُّره كبيرًا جدًّا كالجبل، أو صغيرًا جدًّا كالذَّرَّة لأمكنك ذلك.
وإذا تدبَّرتَ وجدتَ الذِّهن إنِّما يستمد التَّصوُّر من القياس على الصُّوَر المخزونة في الحِفظ، ولكنَّه يركِّب ويُقسِّم، فيمكنه أن يتصوَّر شِقَّ رجلٍ، ويتصوَّر رجلًا له وجه فَرَس، وهكذا.
فإذا كلَّفته أن يتصوَّر ما لم يُحسَّ به، ولا بما يشبهه فإنَّه يفرضُ عليك صورًا يستمدّها من خزانته، وقد يركِّب ويُقسِّم، ويزيد وينقص، وكلَّما عَرَض عليك صورةً، فقال العقل: ليس هذا أريد، عاد فاستمدَّ من الخزانة صورةً أخرى.
فإذا كُلِّف الذِّهن تصوُّر يد الله عزَّ وجلَّ فأوَّل ما يفرِضُ يد إنسانٍ؛ لأنَّها أقرب الأيدي حضورًا بالذهن؛ لكثرة تكرُّر إحساسه بها، فإذا لم تقبلها أخذ يزيد في تلك الصورة وينقص، ويستمدُّ الزيادة والنّقص من الأجرام التي قد أدركها، كأنْ يجعلها نورًا على صفةٍ ما، قد أدركه من نور الشمس والقمر وغيرهما، ويعظمها ــ لإدراكه صِفة العَظَمة ــ حتى يجعلها كالجبل أو أعظم منه، وغير ذلك.
والعقل يحكم كلَّ مرَّةٍ أنَّ تلك الصورة فيها نقصٌ وعيبٌ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ مُبرَّأٌ عن ذلك، فإذا يَئِسَ مِن وجدان صورةٍ تليق بربِّ العِزَّة فهو بين أمرين: