بعضها كثيرًا، ثمَّ رَأَوا مَن بَعْدَهم يتَّبِعُون ذلك ويبتغون تأويله فلم ينكروا عليهم ذلك.
فما بقي إلَّا النَّوع الثالث، فهو الذي لم يكن يُؤَوِّلُه النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه، ولا كانوا يبتغون تأويله، ولا يختلفون فيه، ولمَّا رَأَوا من يتَّبعه مِنْ بَعدِهم ويتكلَّم في تأويله حَذَّرُوهم، وحذَّروا الناس منهم.
فإن قلتَ: فإنَّكم تتكلَّمون في معنى ذلك، فتقولون: لله عزَّ وجلَّ حياةٌ
تليق به، ويدٌ تليق به، وتقولون: إنَّ لوجوده وحياته وقدرته وعلمه وحكمته مناسبةً ما لهذه الصِّفات في المخلوق، ولذلك أمكننا تصوُّرها إجمالًا.
قلتُ: الآن حَصْحَصَ الحقُّ، ارجع إلى معنى كلمة "تأويل".
فقد قدَّمنا أنَّ تأويل اللَّفظ قد يُطْلَق على المعنى، وقد يُطْلَق على نفس ذلك المعنى، وقد يُطْلَق على الحقيقة المعبَّر عنها باللَّفظ.
وقلنا: إنَّ قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات: ١٥]، فإذا قال قائلٌ:"ويلٌ" وادٍ في جهنَّم، فقد أوَّله، ويُطْلَق على قوله إنَّه تأويلٌ، ويُطْلَق على نفس ذلك المعنى أنَّه تأويل.
يقال: ما تأويل {وَيْلٌ}؟ فيُقال: تأويلُه وادٍ في جهنم، ويطلق على تلك الحقيقة ــ وهي عين ذلك الوادي ــ أنَّها تأويل.
ولم نجد في القرآن مثالًا للإطلاقين الأَوَّلَين، وفيه ثلاثة أمثلة جاءت على الإطلاق الثالث، كما ذكرنا هناك.
إذن فالتَّأويل في آية المتشابه من الإطلاق الثالث، فقولنا في حياة الله عزَّ وجلَّ:"صفةٌ ثابتة له سبحانه لها مناسبةٌ ما بحياة المخلوق"= قولنا ذلك