ثُمّ يقال لهم: لو سُلِّم أنَّ الكذب قد يكون حسنًا، فإنَّما ذلك من الإنسان العاجز المحتاج.
ولو لم يستحل أن يقع من الله عزَّ وجلَّ ورسوله شيءٌ من هذا الكذب فقد كان يجب أن لا يكون إلَّا عند الحاجة، ولا حاجة إلى تلك الآيات والأحاديث، فكان يكفي أن يُثبت لله عزَّ وجلَّ ما لا بُدَّ منه، ويُعْرِض عمَّا عدا ذلك ممَّا يخطئ النَّاس فيه من الاعتقاد، فلا يردّه عليهم!
فأمَّا أن يُصرِّح بما يوافق اعتقادهم الخاطئ، ويؤكِّده، ويكرِّره في مواضع لا تُحْصَى، فهذا ما لا يُتوهَّم جوازه؛ لأنَّ الإصلاح المقصود لا يتوقَّف عليه.
وقد حكم الله عزَّ وجلَّ بكفر مَن نسب إليه الولد، وقال في ربه بما لا برهان له به وغير ذلك، قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وبعدها.
وإذا تدبّرت ما قدَّمناه في تشديد الله ورسوله في الكذب ازددت بصيرةً في هذا إن شاء الله تعالى.
ووجهٌ آخر، وهو: أنَّه قد كان في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جماعةٌ من أهل الذَّكاء والفِطْنة وسلامة العقل، يلازمون النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حضرًا وسفرًا، ويصدِّقونه في كلِّ ما يقول؛ أَفَمَا كان ينبغي أن يبوح لهم بالحقيقة، ويأمرهم أن يبوحوا بها لِمَن وثقُوا بذكائه وفِطْنته، وهكذا يتسلسل هذا الأمر في كبار العلماء في كلّ قرن.
فما بالُنا نجد كبار العلماء ــ من الصَّحابة والتَّابعين فمَن بعدهم ــ هم أشدُّ الناس بُعدًا عن هذا الاعتقاد.