للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَلُّ الشُّبهَة

اعْلم أنّ عامّة شبهات الكفّار والملحدين في هذا العصر تدور على هذه الشُّبْهة، فيجب الاعتناء بحلِّها وإيضاح الحق، وأسأل الله عزَّ وجلَّ التوفيق والهداية.

لعلّه يطّلع على هذا مُلْحدٌ فيقول: إنّ هذا الكاتب وأمثاله مقلِّدون متعصِّبون، ليس لهم من حريّة الفِكْر نصيب، يَرِدُ عليهم البُرهان الذي يَدْمَغ دِيْنهم فيفرُّون إلى المعاذير، وكان عليهم أن يتدبَّروا ذلك البرهان ويعترفوا بمقتضاه، هذا مقتضى الحرية والشجاعة الأدبية، وطلب الحقّ من حيث هو حقٌّ، فهم يزعمون أنَّهم يتَّبعون الحقَّ، ويَدْعُون إلى الحقّ، وهم أبعد الناس منه.

فأقول له: أنت تعلم أنّ لثبوت الحقائق طُرُقًا مختلفة، فمعرفة أنّ فلانًا حاضرٌ ــ مثلًا ــ قد تحصل بواسطة الإبصار، وبواسطة سَمْعِ كلامه، وبواسطة إخبارٍ متواتر وغير ذلك، والإدراك بواسطة البصر لا يحصل للأعمى، وبواسطة سماع كلامه لا يحصل للأصمّ، وقِسْ على ذلك.

وقد يحصل الإدراك اليقينيُّ لحقيقةٍ بطريقٍ صحيحٍ، وإذا نُظِر من طريق أخرى وَجَدْتَ شُبهات تنفي تلك الحقيقة، فأمّا مَن حصل له الإدراك بذاك الطريق الصحيح فإنَّه إذا عُرِضَت عليه تلك الشُبهات لا يلتفت إليها، ولا يبالي بها، إلَّا أنّه إذا عجز عن إطْلاع المعترض على ذاك الطريق الصحيح فقد يحاول حلَّ تلك الشُبهات، وربَّما يعجز عن حلِّها، وهو مع ذلك غير مُتَزَلْزِلٍ فيما قد تيقَّنه، بل هو مؤمن أنّ لتلك الشبهات حلًّا لم يتيسَّر له، ومَن شكَّكَتْه الشُبهات فيما قد عَلِمَه يقينًا يُعدُّ عند العقلاء أحمق!

<<  <   >  >>