أقول: وهذا القول قد أَرْعَبَ غالب المسلمين، وزَلْزَلَ قلوبهم وحُلُومَهُم، فخضعوا لوجوب التأويل، ولكنّ هذا لم يغنهم شيئًا، فإنّ أهل الكفر والإلحاد قالوا: إنّ هذه التأويلات التي تبدونها خلاف ظاهر الكلام!
فإن قلتم: إنَّ الدليل العقلي أو الحِسِّيَّ أو التَّواتري قرينةٌ تجعل [خلاف](١) ظاهر الكلام هو المعنى الذي حملناه عليه.
قيل لكم: هذا الدليل لم يكن معلومًا للمُخَاطَبين، بل لم يكن معلومًا لأحد من أهل الأرض حينئذٍ، ولا يكفي أن يُقال: كان الله يعلمه، أو كان رسوله يعلمه؛ فإنّ الاعتماد على قرينةٍ يعلمها المتكلِّم، ويعلم أنّ المخَاطَبين لا يعلمونها لا يجوز، ولا يخرج الكلام بذلك عن الكذب؛ فظهر أنّ ما تُبْدُونه من التأويل لا ينفي لزوم الكذب أو الجهل في قرآنكم ونبيّكم.
لعلَّ أكثر النَّاس ينكر عليَّ تقرير هذا المعنى؛ فأقول له: اعلم أنّ الكفّار والمُلْحدين يقرِّرون ذلك، ويَسْطُون به على علماء المسلمين فضلًا عن غيرهم، ولاسيَّما الشباب الذين سيقوا إلى أن يكونوا في مدارس معلِّمُوها من هؤلاء الملحدين أو الكفّار.
والدِّين الحقّ لا يضرُّه تقرير الشُّبه، وإنّما يحظر على العالِم أن يثير شُبْهةً لا يزال أهل الكفر والضلال غافلين عنها، فأمّا مثل هذه الشُبْهَة ممّا قد أثاروه وأضلُّوا به فلا بدّ للعالِم مِن ذِكره وإقامة البُرهان بما يزيله.