إمَّا أنْ يعترف بعجزه وقصوره، وأنَّ الموجودات لا تنحصر فيما يمكنه تصوُّره وتخيُّله، فهذا يُجوِّز أن يكون لله عزَّ وجلَّ يدٌ تليق به، فإذا عَلِم أنَّ الصَّادق المصدوق قد أخبر بذلك آمن به.
وإمَّا أن يغلب عليه الغُرُور والدَّعوى، ويزعم أنّه ما من موجود إلَّا ويمكنه أن يتصوَّره، فهذا يُنْكِر أن تكون لله عزّ وجلَّ يدٌ، ويزعم أنّ مَن أثبت لله عزَّ وجلَّ يدًا يلزمه أن يثبت له يدًا من تلك الأيدي التي تخيَّل صُوَرَها العقل.
فلو أنّ رجلًا خُلِقَ أكْمَه وكبر، وعُلِّم الكلام ما عدا الألوان، ولم يُخبَر بأنَّ الناس يبصرون، ثم قال له رجلٌ بصيرٌ ذات يومٍ: هذا شيءٌ أبيض، فإنَّه يقول: وما معنى أبيض؟ أكبيرٌ؟ فيُقَال: لا، فيقول: فصغيرٌ؟ فيُقال: لا، فيقول: فأملس؟ فخشن؟ فجامد؟ فمائعٌ؟ إلى غير ذلك من المعاني التي قد عرفها وأحسَّ بها.
فإذا قيل له ــ في كلّ ذلك ــ لا، لا! قال: فهذا عدمٌ!
وإن كان قد أُخْبِر بالألوان، وتواتر عنده أنَّ النَّاس يُبصِرُون، وأنَّ للأشياء ألوانًا فإنَّه يصدِّقهم، ولكنَّه لا يستطيع تصوُّر ذلك. فهذا مثل الإنسان إذا أُخْبِر بصفات الرَّب عزَّ وجلَّ.
وكأنَّه لهذا المعنى زَعَم بعض المتكلِّمين أنَّ رؤية المؤمنين لربِّهم عزَّ وجلَّ في الآخرة إنَّما تكون بحاسَّةٍ سادسةٍ يخلُقُها لهم! (١).
(١) نسب هذا القول أبو الحسن الأشعري في "مقالات الإسلاميين" (ص ١٦٢) وغيره إلى ضرار بن عمرو وحفص الفرد.