تقديس الفلاسفة، والرَّيب في النُّبوة، على تفاوتهم فيه، ومثل ذلك مثل نفرٍ من النَّاس
فيهم رجلٌ يرى أنَّه أحدُّهم نَظَرًا، فيرى آخر منهم الهلال فيخبر أصحابه، فَيَتَراءَاه ذلك الرجل فلا يراه، فيبادر بتكذيب القائل: إنِّي أراه، قائلًا: لو كان الهلال طالعًا لرأيتُه؛ لأنَّني أحدُّ الجماعة نَظَرًا!
وهذا من أعظم غلط العقل، فتراه ينفي وجود بعض الأشياء، وينكر بعض الأحكام، ويردُّ كثيرًا من الأخبار؛ لأنّه لم يدركها، أو لم يدرك وجه صِحَّتها، أو مطابقتها للحِكْمة. ولولا هذا الخطأ ومثلُه لم يكد يغلط عاقل ولا يضل، ولا استحلَّ مسلمٌ أن يذمَّ المعقولات، ويحذّر من شدة الاعتماد عليها، فإنَّ الدِّين لا يقوم إلَّا على العقل كما قدّمنا.
وممَّا يُتَّقى به خطأ العقل ــ إذا زعم أنَّ إدراكه قاطعٌ ــ أن يفرض صاحبه أنَّه اجتمع بِمَن هو أكمل منه وأعقل، فأخبره برأيه في تلك القضية، فقال له الأكمل: أخطأت؛ فإن أحسَّ في نفسه أثرًا لقول الأكمل:"أخطأت" فليعلم أنَّ إدراكه ذلك ليس بقاطع.
وقد بحث معي مسلمٌ في مسألة معروفة، فزعم أنَّ العقل القاطع يدلُّ على نفيها، فقلت له: لو فرضنا أنّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يزال حيًّا، وأنّنا سألناه عن هذه المسألة فقال: هي حقٌّ ثابتٌ، فهل تصدِّقه؟
فقال: وكيف لا أصدِّقه؟
فقلتُ له: فأين العقل القاطع هذا؟ أو نحوه.
فإن قلتَ: إنَّهم يجيبون عن مثل هذا: بأنَّه يستحيل أن يقوله النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
قلتُ: فإنَّهم يردُّون النصوص الصَّريحة من القرآن بنحو ذلك.