أحدُها: أنّ اللَّفظ إنَّما يبقى على ظاهره ما لم تكن هناك قرينة تصرفه إلى معنى آخر.
وتحقيق هذا: أنَّ اللَّفظ قد يكون له ظاهر في نفسه، ولكنَّه اقترن به ما صار الظاهر معنى آخر، فقولُك:"إنَّ زيدًا رجع اليوم" ظاهره أنَّه رجع هو نفسه.
وقولك:"إنَّ أمس رجع اليوم" لا يظهر منه ذلك، بل يظهر منه أنَّ اليوم مشابهٌ لأمس في كونه صحوًا أو غيمًا أو نحو ذلك، وهذا حقٌّ في نفسه، ولكن لما سُئِل المُؤَوِّلون عن القرينة ذكروا أمورًا.
منها العقل، فقيل: إنَّ العقل لا يصحُّ أن يكون قرينةً إلَّا إذا كان بديهيًّا حاصلًا للمخاطبين، وفي المعاني العقلية التي تجعلونها هي القرينة ما اعترفتم أنّه لا يحصل للإنسان إلَّا بعد ممارسته المعقولات، من المنطق والفلسفة وغير ذلك. هذه النُّصوص الدَّالة على أنَّ الله عزَّ وجلَّ في جِهة العُلُو تُؤَوِّلُونها لمخالفتها العقل، زعمتم!
وأنتم تعترفون أنَّ الإيمان بموجودٍ ليس في جهةٍ لا يتهيَّأ للإنسان حتى يمارس المعقولات، ويُوغِل فيها، فعند ذلك تَأْنَسُ نفسه بالتَّصديق بذلك! ذكر هذا الغزالي في كتبه، وغيره (١).
وإذا كان الحال هكذا، فلو كانت تلك النصوص غير مراد بها ظواهرها لكانت كذبًا؛ لأنَّ القرينة التي يعلم المتكلِّم أنَّ المخاطَب لا يُدركها لا
(١) يُنظَر: "إحياء علوم الدين" (١/ ١٨٥ ــ ١٨٦) و"الاقتصاد في الاعتقاد" (ص ٥٩).