المذكورتين أو إحداهما، بل قد نزل قبلهما كثير من القرآن، وقد كان الرجل
يُسْلِم ثم يصلِّي مع النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيتلو في صلاته من القرآن ما شاء الله، ولا يبدأ بإحدى الآيتين، ولعلَّ كثيرًا من الأعراب الذين أسلموا لم يسمعوا الآيتين ولا إحداهما، ولم يقل أحدٌ من العلماء: إنَّه يجب على قارئ القرآن أن لا يقرأه بمَحْضَرٍ من العامَّة إلَّا بعد أن يذكر لهم الآيتين أو إحداهما، أو ما يقوم مقام ذلك.
فإن قالوا: فإنَّه يلزم مثل هذا في آيات التَّحليل العامَّة التي دلَّت آياتٌ أُخَر على تخصيصها، وليست في سياقها، فيمكن أن يكون بعض الأعراب سمع الآية العامَّة فذهب يستحِلُّ كلَّ ما تناولته، مع أنَّ بعضه مُحَرَّم بآيةٍ لم يسمعها، ومثل هذا يُقَال في الأحاديث، وهكذا ما يشبه العموم من كُلِّ دليلٍ ظاهُرُه تحليل شيءٍ، وقد بيَّنه دليلٌ آخر.
فالجواب: أنَّ الخطأ في التَّحليل والتَّحريم سهلٌ، فلا يكون المخطئُ كافرًا ولا فاسقًا؛ بل هو معذور مأجور، كما سيأتي إيضاحه. وليس الخطأ في الكفر كذلك، بل قال جَمٌّ غفيرٌ: إنَّ كلَّ مجتهدٍ في الأحكام مصيب. وله غَوْرٌ، وقد أوضحنا ذلك في موضع آخر.
حاصله: أنَّ كثيرًا من القوانين لا يكون مطابقًا للحكمة في كلِّ فردٍ من الأفراد، وإنَّما رُوعِيَ مطابقتُه في الأَعَمِّ الأغلب، ومثَّلناه بحدِّ الزِّنا، فرُبَّ شيخٍ غنيٍّ، ضعيف الشَّهوة، قادرٍ على التزوُّج فتَرَكَه، واحتال للاجتماع بامرأة قبيحة يستطيع التزوج بها ولا يعشقها، فزَنَى بها، ولمَّا كان غير مُحْصنٍ فحدُّه الجلد.
وآخر شابٌّ فقير، شديد الشهوة، لا يقدر على التزوُّج، صادَفَتْه امرأةٌ