للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتبادر: أنَّ كلَّ آيةٍ منها تشبه الأخرى، وهذا عامٌّ في آيات القرآن كُلِّها، كما قال تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا}.

فإنْ قيل: إنَّ هناك وجهًا تتشابه فيه الآيات التي يكون فيها ما يُتَوَهَّم خَلَلًا

مختصَّة به، وهو تَوَهُّم الخَلَل في كُلِّ آيةٍ منها.

قلتُ: ولكنَّ هذا لا يكفي لتخصيصها بلفظ: {مُتَشَابِهَاتٌ}؛ فإنَّ المحكمات أيضًا فيها وجهٌ تتشابه فيه، وهو خاصٌّ بها، وهو أنَّه ليس في كُلٍّ منها خَلَلٌ، ولا ما يُتَوَهَّم خَلَلًا.

ويمكن أنْ يُقَال: كلُّ آيةٍ من المتشابهات متشابهةٌ في نفسها، على أن يكون المعنى: متشابهات معانيها، أي: يتشابه فيها معنيان، أو معاني، كما يُقَال: اشتبه عليَّ الأمر، أي: اشتبه صوابُه بخطائه، ويُقَال: اشتبه عليَّ الأمران، أي: لم تُميِّز بينهما.

فإنْ قلتَ: ولكنَّه لا يُقَال: تشابه عليَّ الأمر!

قلتُ: لا أستحضر شاهدًا لذلك، ولكن "اشتبه" و"تشابه" بمعنًى، قال تعالى: {مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام: ٩٩].

وقد قال المولَّد (١):

رَقَّ الزُّجَاجُ ورَاقَت الخَمْرُ ... فَتَشَابَهَا وتَشَاكَلَ الأَمْرُ (٢)

الشاهد في قوله: "وتشاكل الأمر".

فلنترك هذا ههنا، ولننظر في بقية الآية، لعلَّنا نجد فيها ما يبيِّن المقصود،


(١) هو الصاحب بن عبَّاد، في "ديوانه" (ص ١٧٦).
(٢) كذا في الأصل، وفي "الديوان": "وتشابها فتشاكل".

<<  <   >  >>