كان هذا مفعولاً على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو لم يكن، فما فُعِل بعده بأمره ـ من قتال المرتدين، والخوارج المارقين، وفارس والروم والترك، وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وغير ذلك ـ هو من سنته.
ولهذا كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يقول: سن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سننًا، الأخذ بها تصديقٌ لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله. ليس لأحد تغييرها ولا النظر في رأي من خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا، فسنة خلفائه الراشدين هي: مما أمر الله به ورسوله، وعليه أدلة شرعية مفصلة».
قال الإمام الشاطبي: «البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، (تضاهى: تشابه).
فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تُسَمّ بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.
* ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم، فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها، خُصّ منها القسم المخترع، أي طريقة ابتُدِعت على غير مثال تقدمها من الشارع، وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترَع مما هو متعلق بالدين، كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين، وسائر العلوم الخادمة للشريعة، فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول، فأصولها موجودة في الشرع، إذ علوم اللسان هادية للصواب في الكتاب والسنة، فحقيقتها إذاً أنها فقه التعبد بالألفاظ الشرعية كيف تُؤْخَذ وتُؤَدَّا.
* البدعة تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة، منها:
١ - وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد، ضاحياً لا يستظل، والاختصاص في الانقطاع للعبادة، والاقتصار في المأكل والمشرب على صنف دون