للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و «أنهكوا»: بالغوا في القص، ومثله «جزوا»، فاختلاف الصحابة إنما هو في العمل بأحد الأمرين وكلاهما وارد قولًا عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالصحابة لم يخالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فما الدليل في ذلك على الاختلاف في أمر اللحية؟

وهل ثبت في الأحاديث التخيير بين حلق اللحية أو توفيرها؟ وهل ثبت أن أحد الصحابة حلق لحيته؟ فالأمر في الحديث يدل على وجوب إعفاء اللحية ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة.

٢ - استدل الأستاذ محمد حسين (ص٦٩) بأن عمر - رضي الله عنه - كان يترك سباليه أي يطيل طرفي شاربه والأمر بإعفاء اللحية هو الأمر بقص الشارب وقد خالفه عمر، فظن الأستاذ محمد حسين أن هذا دليل على عدم وجوب إعفاء اللحية.

والرد من وجوه:

أ- العجيب أن الأستاذ محمد حسين أراد أن يترك العمل بحديث رواه البخاري ومسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لفعل عمر، ولكن الأعجب: من الذي روى هذا الأثر عن عمر؟ يجيب الأستاذ محمد حسين (ص٦٩): «قال الإمام الغزالى في الإحياء: ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، فعل ذلك عمر وغيره» (١) هذا هو تخريج الحديث مع العلم بأن إحياء علوم الدين مليء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة فالغزالي ليس محدثاً (٢)، والغزالي لم يذكر من رواه من علماء الحديث.

ونقول للأستاذ محمد حسين: ذكرتَ (ص٣٢) أن الحديث الضعيف لا يعمل به في الأحكام والعقائد، فهل هذا الأثر الذي ذكرتَه عن (إحياء علوم الدين) صحيح أم لا؟ وإذا كان صحيحاً فلماذا لم تذْكُر من أخرجه؟ وإذا كنت لا تعرف من أخرجه


(١) إحياء علوم الدين (١/ ١٦٦).
(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن أبا المعالا، وأبا حامد الغزالي، وابن الخطيب وأمثالهم، لم يكن عندهم من المعرفة بعلم الحديث ما يعدون به من عوام اهل الصناعة فضلاً عن خواصها، ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما، إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك ففيها عجائب. (مجموع الفتاوى ٢/ ٣٠٧) (الطبعة القديمة ٤/ ٧٢، ٧٣).

<<  <   >  >>