للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى التثويب: هؤلاء الَذين يقومون على أبواب المساجد، فينادون: الصلاة، الصلاة، فلو جاء أحد قائلاً: هل من ضيرٍ على من ذكّر بالصلاة والله يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥]؟! لمَاَ قُبِلَ قولُه، بل رُدَّ عليه فهمُه، إذ لم يفهم السلف - رضي الله عنهم - من هذه الآية هذا الإطلاق وهذا العموم، ومعلوم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - شدة اتباعه، ودقة التزامه.

مثال آخر: عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر - رضي الله عنهما -، فقال: «الحمد لله، والسلام على رسوله»، قال ابن عمر: «وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ» (١)، فقد أنكر ابن عمر - رضي الله عنهما - على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: ٥٦] تدخل فيه تلك الصلاة، ولكن ما هكذا فهمها الصحابة فمَن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح - رضي الله عنهم -، وفهمُهم أوْلا، ومرتبتهم أعلا.

مثال آخر: رأى سعيد بن المسيب - رحمه الله - رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة؟ قال: «لا ... ولكن يعذبك على خلاف السنة» (٢).

مثال آخر: قال رجل للإمام مالك بن أنس: «يا أبا عبد الله، من أين أُحْرِم؟» فقال الإمام مالك: «من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» فقال: «إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر» قال: «لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة» فقال: «وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها!» قال: «وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقتَ إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ


(١) رواه الإمام الترمذي (٢٨٩٤)، وحسنه الشيخ الألباني.
(٢) رواه الإمام عبد الرزاق (٤٧٥٥) وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>