بهذه العبارة وهي أشد شيء في الإنكار، ولم يكن ما التزموا إلا فعل مندوب أو ترك مندوب إلى فعل مندوب أخر.
٢ - دخل أبو بكر - رضي الله عنه - على امرأة من قيس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال:«ما لها لا تكلمّ؟» قالوا: «حجتْ مُصْمتة»، قال لها:«تكلمي فإن هذا لا يحل، وهذا من عمل الجاهلية»، فتكلمت (١). فتأمل كيف جعل ترك الكلام من المعاصي مع أنه في نفسه من المباحات، لأنه جرى مجرى ما يتشرع به ويدان لله به.
٣ - قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة ضلالة» وكل ما ورد في ذم البدع يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد، وهي خاصية المحرم.
٤ - إذا تأملنا حقيقة البدعة ـ دقَّتْ أو جلّت ـ وجدناها مخالفة للمكروه من المنهيات المخالفة التامة، وبيان ذلك:
أن مرتكب المكروه إنما قصده نيل غرضه وشهوته العاجلة متكلاً على العفو اللازم فيه، ورفع الحرج الثابت في الشريعة، فهو إلى الطمع في رحمة الله أقرب فهو يخاف الله ويرجوه، والخوف والرجاء شعبتان من شعب الإيمان.
ومرتكب أدنى البدع يكاد يكون على ضد هذه الأحوال، فإنه يعد ما دخل فيه حسناً، بل يراه أولى بما حدَّ له الشارع، فأين مع هذا خوفه أو رجاؤه؟ وهو يزعم أن طريقه أهدى سبيلاً، ونحلته أولى بالاتباع.
* إذا ثبت أن المبتدع آثم فليس الإثم الواقع عليه على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة، من جهة كون البدعة حقيقية أو اضافية، فإن الحقيقية أعظم وزراً؛ لأنها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهر.