للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* هل هناك بدعة مكروهة؟

قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «وأما كلام العلماء فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط، وإنما هذا اصطلاح المتأخرين حين أرادوا أن يفرقوا بين القبيلين، فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط، ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم والمنع، وأشباه ذلك.

وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحاً أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام. ويتحامون العبارة خوفاً مما في الآية من قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [النحل: ١١٦]، وحكى مالك عمن تقدم هذا المعنا، فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها: أكره هذا، ولا أحب هذا وهذا مكروه وما أشبه ذلك، فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة فمن أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزية؟» (١).

ومما يوضح كلام الإمام الشاطبي أن الإمام الترمذي قال في سننه: «باب كراهية إتيان الحائض»، وذكر فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أُنزِل على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -» (٢) فهل يُعقل أن يستدل الإمام الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية؟!!

* الدليل على أن البدع لا تكون مكروهة تنزيهاً (٣):

١ - قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من رغب عن سنتي فليس مني» (٤) رداً على من قال من الصحابة: «أما أنا فأقوم ولا أنام» وعلى من قال: «أما أنا فلا أنكح النساء» فأتى


(١) الاعتصام (٢/ ٣٩٧، ٣٩٨).
(٢) رواه الإمام الترمذي (١٣٥) وصححه الشيخ الألباني.
(٣) الاعتصام (١/ ١٦٥ - ١٦٩، ٢/ ٣٩٤، ٣٩٨)، الإبداع (ص١٤٥ - ١٤٧) بتصرف.
(٤) رواه الإمام البخاري (٥٠٦٣)، الإمام مسلم (١٤٠١).

<<  <   >  >>