قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وأما قول عمر - رضي الله عنه -: «نعمت البدعة هذه» فأكثر ما فيه تسمية عمر تلك بدعة، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية، لا تسمية شرعية. وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد دل على استحباب فعل، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة، الذي أخرجه أبو بكر - رضي الله عنه -، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمي بدعة في اللغة، لأنه عمل مبتَدَأ، كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمى بدعة، ويسمى محدثا في اللغة.
ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة: ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة. فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة. وقد علم أن قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة ضلالة» لم يُرَدْ به كل عمل مُبتَدَأ، فإن دين الإسلام ـ بل كل دين جاءت به الرسل ـ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتُدِئ من الأعمال التي لم يشرعها هو - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وإذا كان كذلك فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادي، وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة، لما اجتمعوا:«إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم، إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»(١) فعلل - صلى الله عليه وآله وسلم - عدم الخروج بخشية الافتراض، فعُلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر - رضي الله عنه - جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد. فصارت هذه الهيئة، وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمام واحد مع الإسراج عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل، فسُمِّي بدعة؛