للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - تفسير الآية: قال الحافظ ابن كثير: «يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا - عليه السلام - لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته وكذلك إبراهيم - عليه السلام - ـ خليل الرحمن ـ لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا وهو من سلالته، حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بَشَّرَ مَنْ بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ} وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} وهم الحواريون {رَأْفَةً} أي رقة وهي الخشية {وَرَحْمَةً} بالخلق، وقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} أي ابتدعتها أمة النصارى {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} أي ما شرعناها لهم وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم، وقوله تعالى: {إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} فيه قولان:

أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة.

والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم رضوان الله.

وقوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي فما قاموا بما التزموه حق القيام وهذا ذم لهم من وجهين: أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.

والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله - عز وجل -.

٤ - ليس في الآية دليل على جواز الابتداع في الدين أو أن في الإسلام بدعة حسنة فقد تبين من كلام الحافظ ابن كثير أن الله قد ذمّ ابتداعهم في دين الله ما لم يأمر به الله، ولو فُرِضَ أن هذا جائز في شرع من قبلنا (النصارا) فقد جاء شرعُنا بنسخه لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة ضلالة» (١).


(١) رواه الإمام مسلم (٨٦٧).

<<  <   >  >>