آخر من أساليب اللغة يجوز نفيه على قولكم، كما جاز نفيه على قولنا. فيلزم
المحذور قولكم كما لزم قولنا.
فالجواب: أنه على قولنا بكونه حقيقة لا يجوز نفيه. فإن قولنا: رأيت أسداً يرمي - مثلاً - لا نسلم جواز نفيه؛ لأن هذا الأسد المقيد بكونه يرمي ليس حقيقة الحيوان المفترس حتى تقول: وهو ليس بأسد. فلو قلتم: فهو ليس بأسد. قلنا: نحن ما زعمنا أنه حقيقة الأسد المتبادر عند الإطلاق حتى تكذبونا، وإنما قلنا بأنه أسد يرمي، وهو كذلك هو أسد يرمي.
قال ابن القيم - رحمه الله - في مختصر الصواعق ما نصه:(الوجه
السادس عشر): أن يقال: ما تعنون بصحة النفي؟ نفي المسمى عند التقييد؟ أم القدر المشترك؟ أم أمراً رابعاً؟ فإن أردتم الأول كان حاصله أن اللفظ له دلالتان، دلالة عند الإطلاق ودلالة عند التقييد، بل المقيد مستعمل في موضعه، وكل منهما منفي عن الآخر. وإن أردتم الثاني لم يصح نفيه فإن المفهوم منه هو المعنى المقيد فكيف يصح نفيه. وإن أردتم القدر المشترك بين ما سميتموه حقيقة ومجازاً لم يصح نفيه أيضاً. وإن أردتم أمراً رابعاً فبينوه لنا لنحكم عليه بصحة النفي أو عدمها. وهذا ظاهر جداً لا جواب عنه كما ترى. اهـ كلام ابن القيم - رحمه الله - بلفظه. وهو موضح غاية لما ذكرنا مصرح بأنه ظاهر جداً لا جواب عنه.
فإن قيل: هذا الذي قررتم يدل على عدم صحة نفي المجاز، لأن ابن القيم ساق الكلام المذكور ليبين عدم صحة نفي المجاز وإذا يرتفع المحذور الناشئ عن القول بصحة نفيه.
فالجواب: أنكم أيها القائلون بالمجاز أنتم الذين أطبقتم على جواز نفيه وتوصلتم بذلك إلى نفي كثير من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، زعماً منكم أنها مجاز وأن المجاز يجوز نفيه ـ فلو أقررتم بأنه لا يجوز نفيه لوقفتم على أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية وهو حقيقة في محله، وسلمتم من نفي صفات