[قوله تعالى:{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ الهاءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً}. الظاهر أن الخطاب في هذه الآية الكريمة متوجه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ ليشرع لأمته على لسانه إخلاص التوحيد في العبادة له جل وعلا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم معلوم أنه لا يجعل مع الله إلهاً آخر، وأنه لا يقعد مذموماً مخذولاً.
ومن الآيات الدالة دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم يوجه إليه الخطاب، والمراد بذلك التشريع لأمته لا نفس خطابه هو صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}؛ لأن معنى قوله {إِمَّا يَبْلُغَنَّ}: أي إن يبلغ عندك والداك أو أحدهما الكبر فلا تقل لهما أف، ومعلوم أن والديه قد ماتا قبل ذلك بزمن طويل، فلا وجه لاشتراط بلوغهما أو أحدهما الكبر بعد أن ماتا منذ زمن طويل، إلا أن المراد التشريع لغيره صلى الله عليه وسلم، ومن أساليب اللغة العربية خطابهم إنساناً والمراد بالخطاب غيره. ومن الأمثلة السائرة في ذلك قول الراجز، وهو سهل بن مالك الفزاري: إياك أعني واسمعي يا جاره
وسبب هذا المثل: أنه زار حارثة بن لأم الطائي فوجده غائباً. فأنزلته أخته وأكرمته، وكانت جميلة.
فأعجبه جمالها، فقال مخاطباً لأخرى غيرها ليسمعها هي:
يا أخت خير البدو والحضارة ... ... ... كيف ترين في فتى فزاره
أصبح يهوى حرة معطاره ... ... ... إياك أعني واسمعي يا جاره
ففهمت المرأة مراده، وأجابته بقولها:
إني أقول يا فتى فزاره ... ... لا أبتغي الزوج ولا الدعاره
ولا فراق أهل هذي الحاره ... ... ... فارحل إلى أهلك باستحاره