للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأفراد قد يكثر عددهم جداً فيصل إلى الملايين، مثل ما تقوم به دول للتأمين على أبنائها من العمال والموظفين مما يُعرف بنظام التقاعد أو المعاشات، فتقتطع من الأجور والرواتب نسبة معينة، فإذا بلغ سن التقاعد أو وصل إلى المعاش يُصرف له معاش شهري، أو يأخذ مكافأة مالية تساعده في حياته، وكذلك ما يُعرف بالتأمينات الاجتماعية والتأمينات الصحية" (١)، ولبيان الحكم الشرعي في هذا النوع من الاستحقاقات الطبيعية للعامل، أعرض لوجهتي النظر في حكمه الشرعي:

الفريق الأول: وهم القائلون بحلّ معاشات التقاعد (٢)، وقد استدلوا بتعليلين هما:

التعليل الأول: أنه يظهر في نظام التقاعد التبرع، حيث عن الموظف متبرع بما يؤخذ من راتبه الشهري، وكذلك الدولة أو الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية متبرعة بما تدفعه لصندوق التقاعد عن موظفيها، كما أن الدولة ممثلة في ولي الأمر معنية برعاية الموظف وبمن يعول بعد نهاية خدمته وكبر سنه فما تقتطعه من مرتبه شهريًّا تضيف عليه نسبة تماثل لما اقتطعته منه أو نحوها وتقوم بتشغيلها وتنميتها ثم يصرف له كامل النسبتين بعد تقاعده، وإنما أتت شبهة الربا عند بعض الناس من حيث إن الموظف يدفع مالاً على أقساط قليلة فيأخذ أكثر منها عند تقاعده من الوظيفة، وليس كذلك، إذ حقيقة الأمر أن ما دفعته الدولة من نسبة هو تبرع وليس لقاء عمل، إذ مقابل العمل هو الراتب الشهري الذي يستلمه الموظف آخر الشهر، فهذا من الدولة شبيه بالمكافأة، وأيضًا مما يؤكد أن المعاش التقاعدي عقد تبرع لا معاوضة.

التعليل الثاني: أن الدولة لا تمتلك ما اقتطعته من رواتب الموظفين، وإنما هو موقوف لهم لحين الحاجة، وهذا بخلاف التأمين التجاري الذي تمتلك شركة التأمين أقساط المؤمنين بمجرد دفعها للشركة.

الفريق الثاني: القائلون بالتحريم (٣)، وقد احتجوا بمايلي:

١. أن نظام التقاعد نوع من أنواع التأمين، ولا يختلف عن التأمين التجاري في أصله ومشروعيته، فهو يشتمل على الربا والغرر.

٢. يشتمل راتب التقاعد على ربا الفضل، وذلك لأن معاش التقاعد هو عبارة عن بيع نقود مجهولة المقدار بنقود مجهولة المقدار، وقد تكون أكثر منها أو أقل، كما أن هذا الراتب يشتمل على ربا النسيئة حيث إن أحد العوضين في رواتب المتقاعدين مؤجل إلى أجل غير مسمى.


(١) السالوس، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، ص٣٧٣.
(٢) أغلب العلماء المعاصرين ومنهم الدكتور علي السالوس. المرجع نفسه ص ٣٧٣.
(٣) منهم الشيخ عبد الرزاق عفيفي الذي رفض أن يأخذ أية مبالغ عندما تقاعد لأن المسألة عنده فيها شبهة ربا. http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=٦٧٩٨