للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطورة الذبح لغير الله تعالى]

قوله: (لعن الله من ذبح لغير الله)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ظاهره أنه ما ذُبح لغير الله.

فالإنسان الذي يذبح شيئاً لغير الله سبحانه مثل أن يقول: هذا الذبح للبدوي، وهذا الذبح لكذا، ويسمي من يذبح له بدلاً من أن يسمي الله سبحانه، أو يسمي الاثنين فيقول: هذا لله وللبدوي، أو هذا لله ولـ أبي العباس، فهذا من الشرك بالله سبحانه، ولا يكون الذبح إلا لله وحده لا شريك له، وكذلك غيرهم يذبحون ويقولون: باسم المسيح، فلا يجوز أكل ما ذكر اسم غير الله عز وجل عليه، هذا إن كان المسلم يعرف ذلك.

ولذلك فذبائح أهل الكتاب قد أحلها الله عز وجل في كتابه بقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:٥]، فطعام الذين أوتوا الكتاب المقصود به هنا باتفاق المفسرين: أنه ذبائح أهل الكتاب، فهذا مخصوص وليس على عمومه، فأهل الكتاب يأكلون الموقوذة، ويأكلون المذبوح وغير المذبوح، إذاً فالآية مخصوصة بما ذبح.

الأمر الثاني: معلوم أن أهل الكتاب يعبدون غير الله سبحانه، فيتوجهون بالعبادة إلى المسيح، وإلى عزير، وإلى غير ذلك، فإذا ذبحوا وكان ذلك مما يحل لنا في ديننا جاز لنا أن نأكله طالما عرفنا أن هذا قد ذبح.

وأما إذا كان ميتة أو خنزيراً أو شيئاً لا يحل لنا في ديننا حتى ولو ذبحوه فلا يجوز لنا أن نأكله، لكن إذا كان ما يحل لنا في ديننا فذبحه أهل الكتاب ولم نعرف هل ذكروا الله أو ذكروا غير الله ولم نسمع ذلك، فالراجح أنه يحل لنا أن نأكله.

ومن باب أولى ما ذبحوه أمامنا ولم يذكروا عليه شيئاً فإنه يجوز لنا أن نأكله، لكن إن ذبح وسمعته يقول: باسم المسيح، أو باسم عزير فهذا لا يجوز لنا أن نأكله؛ لأن الله عز وجل قال لنا: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:١٢١].

إذاً: لا يجوز للمؤمن أن يأكل مما ذكر اسم غير الله عز وجل عليه.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال: باسم المسيح أو نحوه.

يعني: أن من تقرب إلى الشيخ الفلاني كأن يذبح للبدوي يتقرب إليه بذلك هذا أعظم مما ذبحه إنسان نصراني وقال: باسم المسيح وليس على باله شيء، كأن يذبحها جزار من أجل أن يوزعها للناس أو يبيعها للناس، وليس من أجل أن يهديها للأموات ولا لغيرهم، فهذا حرام وهذا حرام، لكن الأول أشد؛ لأنه صرف عبادة لغير الله، فهذا مسلم لا يجوز له أن يذبح إلا لله عز وجل، وهو الآن توجه إلى غير الله سبحانه يرجو رضا هذا الغير، فهذا أعظم على قول ابن تيمية رحمه الله.

يقول: كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه: باسم الله.

يعني: لو أني ذبحت شاة وقلت: باسم الله، وذلك من أجل لحمها.

أو من أجل البيع فهذا لا بأس به، لكن خير وأعظم منه أذبحها أضحية أو هدياً مع قولي: باسم الله، وتقربي بذلك إلى الله.

يقول رحمه الله: فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه: لأجل المسيح أو قصد به ذلك أولى، فإن العبادة لغير الله تعالى أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله سبحانه، وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقرباً إليه يحرم حتى وإن قال: باسم الله.

يعني: لو أن إنساناً ذبح من أجل الجن وتقرباً للجن، ولسانه يقول: باسم الله، فالعبرة هنا بما في قلبه، فهو يتقرب لمن بهذا الشيء؟ هو يتقرب إلى الجن بذلك، فلا يحل أكل مثل ذلك طالما أن قصد القلب والنية أنها لغير الله سبحانه حتى وإن قال بلسانه: باسم الله.

يقول: كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور.

أي: وإن كانوا يظهرون أمام الناس أنهم يعالجون بالقرآن، فتجد أحدهم يقول: أنا أعالج بالقرآن، ويقرأ أمامك القرآن لكنه بينه وبين نفسه يفعل أشياء يتقرب بها إلى الكواكب وإلى النجوم، فذبيحته إذا ذبح للجن حتى وإن ذكر اسم الله سبحانه لا تحل.

يقول رحمه الله: كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال.

يعني: أن الذين يذبحون ويتقربون إلى الكواكب، ويعملون لها البخور فهذا من الشرك بالله سبحانه.

يقول رحمه الله: لكن يجتمع في الذبيحة مانعان -أي: ذبيحة هؤلاء- الأول: أنه مما أُهلّ به لغير الله.

الأمر الثاني: أنه باعتقاده أن غير الله ينفع ويضر وبتقربه إلى ذلك قد خرج من دين الإسلام.

أي: تحرم ذبيحة هؤلاء من وجهين.

قال: ومن هذا الباب ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن ذبائح الجن)، وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الزمخشري: كانوا إذا اشتروا داراً أو بنوها أو استخرجوا عيناً ذبحوا ذبيحة، وانظر الآن ستجد بعض الناس إذا بنى بيتاً ذبح ذبيحة، وإذا أتى بسيارة ذبح ذبيحة، ويصر على أنه لا بد أن تكون الذبيحة على عتبة البيت، وقبل أن يضع الأساس يذبح في ذلك المكان، كأنه سيطهر المكان بذلك، مع أن دم الذبيحة نجس، والدم لا يعمل شيئاً، فيأخذ من الدم ثم يضعه بكفه على الحائط ويقول: خمسة وخميسة؛ من أجل أن يمنع عين العفاريت وعين الجن وعين الناس بهذا الشيء.

وهذا الأمر كان يفعله أهل الجاهلية يتقربون إلى الجن بذلك، فكانوا إذا اشتروا داراً أو بنو داراً أو استخرجوا عين ماء ذبحوا ذبيحة خوفاً من أن تصيبهم الجن، فأضيفت إليهم الذبائح بذلك.

فلو أن إنساناً ذبح بهذه النية فهذا الذبح لا يحل، ولكن قد يكون الإنسان لا يعرف ذلك، وإنما وجد أن الناس يعملون ذلك، فهم يذبحون عندما يشترون شقة، فهو اشترى شقة وذبح كما يفعلون وقصده لله عز وجل وليس لأحد آخر، فمثل هذا يكره ولا يحرم؛ لأنه لم يتقرب لغير الله عز وجل، ولم يستحضر ذلك، لكن نقول لمثل هذا: إذا كنت تريد أن تذبح لله عز وجل فلا تذبح على العمارة، ولا في المكان الذي ستضع فيه الأساس وتظن أن الدم الذي سينزل وسيطهر لك العمارة وسيحفظها، وإنما الذي يحفظ ذلك هو الله سبحانه.

فنقول لهذا: لا تتشبه بهؤلاء في الذبح في هذا المكان واذبح في أي مكان آخر، اذبح عند الجزار، أو اذبح في بيتك، ولا داعي للذبح في هذا المكان الذي أخذته، ولا داعي لتنجيس هذا المكان؛ لأن هذا من التشبه بأهل البدع.

يقول: ذكر إبراهيم المروزي أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه؛ لأنه مما أهل به لغير الله.

أي: أن هذا شرك بالله عز وجل، لكن لو أنه فعل ذلك إكراماً لمن جاءه، وإظهاراً للمحبة بعمل الولائم، فهذا لا يحرم إلا إذا كان يتقرب بذلك إلى من يأتي إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>