للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى اشتراط أن يشهد المؤمن أن عيسى عبد الله ورسوله]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

إن من الإيمان أن تؤمن برسل الله عليهم الصلاة والسلام عامة، وتؤمن أن عيسى عبد الله ورسوله، فهو كان أقرب الأنبياء من النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يتكلمون عن عيسى ويصفونه بصفات الألوهية، كانوا قريبين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يؤمن بالله عز وجل يؤمن بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، ويؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله، قال الله سبحانه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:٩١].

وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة:٧٣].

وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:٧٢].

فعيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام عبد الله ورسوله كما أن محمداً عبد الله ورسوله.

والمسيح عبد ورسول وكلمة الله ألقاها إلى مريم؛ لذا فهو صاحب رسالة، وهو أحد أولي العزم من الرسل، فالله عز وجل له أنبياء كثيرون قد نبئوا بأخبار من الغيب، وأمروا بإعلام الناس بتوحيد الله سبحانه ودعوتهم إليه، ومنهم أصحاب الرسالات وهم الرسل، معهم رسالة من رب العالمين وشريعة أمرهم أن يبلغوها ويدعوا الناس إليها، فعيسى صاحب رسالة، وهو عبد الله ورسوله، قال سبحانه: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:١٧٢].

أيضاً تؤمن أنه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم، وكلمة الله تعني: كلمة من الله سبحانه وتعالى، وهي كلمة (كن)، أي: بـ (بكن) كان المسيح صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يعني: أن الله أمره في كل شيء: إذا أراد شيئاً أن يقول له كن، فيكون على ما أراد الله سبحانه، فكان المسيح بهذه الكلمة: كن عبداً فكان عبداً لله، وخلقه الله عز وجل بذلك، وأرانا الآيات العظيمة فيه.

وقد خلق المسيح عليه الصلاة والسلام من أم فقط، أي: من غير أب، وهذا الذي جعل النصارى يرفعونه فوق مرتبته، فقالوا: إذا كان هذا خلق من أم فقط، فهذا شيء عجب، فعلى ذلك يكون أبوه الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! وإن خلق الله للمسيح من أم ليس بأعجب من خلق آدم بغير أب ولا أم، ومن خلق حواء من ذكر من غير أنثى، فالله خلق آدم من تراب لا أب ولا أم، وهذا خلق عجيب، وهذا الذي يتعجب من خلق المسيح فلينظر إلى خلق حواء، خلقت من ضلع من أضلاع آدم، فهي من ذكر من غير أنثى، وآدم من غير ذكر ولا أنثى.

فالمسيح من أنثى من غير ذكر، وباقي الخلق من ذكر وأنثى، وفي الوقت الحاضر ولّدوا النعجة (دولّي) من أثنى فقط، فهل يعبدونها من دون الله سبحانه، لكن هذا خلق الله سبحانه، وعجبنا يكون في أن يرينا آياته سبحانه وتعالى، أنه هو الذي يقدر أن يخلق من العدم، والذي يوجد الشيء من ذكر، ويوجده من أنثى، ويوجده من ذكر وأنثى، ويوجده من غير ذكر ولا أنثى، فتؤمن بأن المسيح عليه الصلاة والسلام كلمة الله أي: أنه بها خلق وبها كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>