للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شروط كلمة لا إله إلا الله]

ذكر العلماء أن لها سبعة شروط أشرنا إليها قبل ذلك، وهي: العلم ثم اليقين، أي: اعلم أنه لا إله إلا الله علماً يقيناً، بمعنى: أن يقولها الإنسان مستيقناً ومصدقاً في قلبه وواثقاً من أنه لا إله إلا الله سبحانه وتعالى؛ لذا فهو ينفي أن يكون شاكاً في ذلك.

ومن شروط لا إله إلا الله القبول: أن تعبد الله عز وجل بشرعه، فتقبل منه ما أتاك عن طريق النبي صلوات الله وسلامه عليه، أن تقبل ولا تستكبر على ذلك، إذاً: يقين وقبول لما جاء من عند رب العالمين ينافي أن تشك وأن تستكبر أو أن تعاند ذلك، فالقبول: أن يقبل الإنسان شرع الله سبحانه ولا يرده، وقد يفعل قد لا يفعل، يعني: الإنسان قبل الشريعة فقد يعمل ما يرضي الله، ولكن أحياناً يقع في المعاصي، وليس معنى ذلك أنه لم يقبل.

هناك فرق بين من يجحد ذلك ويرده على الله، وبين من يقبله، فمن الرخصة: أن يفطر المعذور في رمضان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) فأنت تقبل صدقة الله سبحانه، وقد تسافر فتفطر وأنت قبلت هذه الصدقة من الله عز وجل، وقد تسافر وتصوم وأنت قد قبلت أيضاً هذه الصدقة من الله رب العالمين.

فالقبول: معناه: عدم الرد، والفرق كبير بين أن يقول: أنا أقبل هذه الرخصة وأفطر في السفر؛ لأنه يشق علي ذلك، وبين أن يقول: الرخصة من الله صدقة تصدق بها علي، قبلت رخصة الله سبحانه وتعالى، ولكني أخاف أن أموت قبل أن أقضي هذا اليوم، فأنا لا يشق علي الصيام الآن، لكنني أخاف أن يشق علي بعدما أكون حاضراً بعد رمضان، فهو قابل لذلك.

وانظروا إلى إبليس لما أمره الله عز وجل أن يسجد لآدم لم يقبل ذلك من ربه، قال تعالى: {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:٦١] فلم يسجد ورد ما أمره الله عز وجل به، فاستكبر على هذا الأمر.

فهناك فرق بين أن يقبل العبد هذه الشريعة العظيمة ويعصيه، ولكن الأصل أنه قبل ذلك إذا عصى الله استغفر، وأقر بأنه عاص، فهو قابل لشرع الله رب العالمين ولكن غلبت عليه شقوته فوقع في المعصية، وبين أن يرد ذلك ولا يقبله، كالذين يرفضون قول الله سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤] ويقولون: الرجل مثل المرأة، والمرأة لا تأخذ النصف من نصيب الرجل، بل تأخذ مثل نصيبه، فمن يقل ذلك فقد حاد الله سبحانه وتعالى، وجحد ورفض ما جاء من عند رب العالمين ويعد مستكبراً على ما جاء من عند الله، فإن هذا لم يقبل شرع الله سبحانه.

فالعلم، واليقين، والقبول، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والانقياد، سبعة شروط لـ (لا إله إلا الله) ذكرها في كتاب معارج القبول قال: العلم واليقين والقبول والانقياد فادر ما أقول والصدق والإخلاص والمحبه وفقك الله لما أحبه هذه سبعة شروط، وزاد البعض عليها: أن توالي من يوالي الله سبحانه وتعالى، وتبرأ من أعداء الله سبحانه، وإن كانت داخلة في هذه التي ذكرناها.

لكن الغرض: أن هذه الشروط إذا أتيت بها أتيت بمفتاح الجنة، ولا يجوز له أن يحقق شرطاً ويخل بشرط آخر، فلابد من الانقياد لجميع ما جاء من عند رب العالمين سبحانه.

فإذا قبل البعض ورفض البعض ولم ينقد لدين رب العالمين فقد قصر في شرط من شروط لا إله إلا الله.

ثم يلي هذه الشروط: الصدق، والإخلاص، والمحبة: أي: أن يصدق في ذلك، والصدق ينافي الكذب، فلا يكذب، كأن يقول: لا إله إلا الله وهو غير مصدق بها؛ ولذلك الإنسان المنافق والفاجر وهو في قبره عندما يسأل: من ربك؟ ما دينك؟ ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ يقول: لا أدري لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

أي: سمع الناس يقولون: شيئاً فقال كما قال الناس، ولم يستيقن في قلبه ولم يتابع بعمله، ولم يعرف ذلك حق المعرفة، وإنما قال كما قال الناس، فكان كاذباً، يكذب قلبه لسانه، فهذا ينافي الصدق الذي أمر الله عز وجل به المؤمنين وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله صادقاً من قلبه) أي: يقولها صادقاً صدقاً منافياً أن يكون شاكاً، ومنافياً أن يكون كاذباً في هذا الذي يقوله.

فالصدق والإخلاص من شروط لا إله إلا الله، والإخلاص: توحيد رب العالمين: أن يخرج العمل لله، وليس لغير الله سبحانه، فيعبد الله، ويدعو الله، وينذر لله، ويخاف من الله، ويحلف بالله.

وعكس ذلك من يحلف بغير الله سبحانه وتعالى، ويعظم غير الله سبحانه، ويدعو غير الله، ويسجد أو ينحني أو يطوف بالقبور، فهذا إنسان قد جعل مع الله آلهة أخرى، وعبد غير الله، فهو ينافي إخلاصه لله، وقد أمرنا الله سبحانه أن نعبده ولا نشرك به شيئاً سبحانه، قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر:١٤].

ومن شروط لا إله إلا الله: المحبة لله سبحانه ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذه الكلمة العظيمة، ولدين رب العالمين، والمحبة للمؤمنين، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤].

فالمؤمنون أعزة على الكافرين، ولكنهم يحبون المؤمنين ويخفضون أجنحتهم لهم، ويتواضعون لهم.

فالمؤمن يحب هذه الكلمة بحبه لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبحبه للمؤمن؛ فإذا جاء بهذه الكلمة بشروطها كان من أهل الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>