للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإخلاص من أسباب استجابة الدعاء]

قال الله سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:٤٠]، أي: من الذي تسألونه أن يكشف الكرب في هذا الوقت: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} [الأنعام:٤١]، والأصل أن يقول: (بل تدعونه)، فقدم المفعول على الفعل للاختصاص، يعني: أنه يدعى وحده لا شريك له، {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام:٤١] سبحانه وتعالى.

ولاحظ قوله: (إِنْ شَاءَ)، أي: فإن شاء عجل لك ما تطلبه، وإن شاء لم يعطك عين الذي طلبت وأعطاك غيره، وإن شاء كشف عنك ضرك، وإن شاء جعل لك ذلك ثواباً في الآخرة، أما أن تطلب من الله شيئاً معيناً ولا تريد سواه فليس بلازم على الله أن يعطيك إياه، بل يعطيك ما يشاء سبحانه وتعالى.

وهنا تظهر عزة الله وحكمته وعلمه سبحانه، فهو يعطيك ما يشاؤه سبحانه وتعالى، ولذلك لما كان المشركون يدعون غير الله سبحانه وتعالى، ويقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هؤلاء لا يملكون لكم شيئاً، اطلبوا من الله سبحانه وتعالى، قالوا: نتوسل بهم إلى الله سبحانه {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، فيسألونهم ويتقربون إليهم من أجل أن يوصلوا الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، والله يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:١٨٦].

فربنا لا يحتاج إلى واسطة تكون بينه وبين العبد، بل إن العبد قريب منه.

فالله سبحانه قال لنا: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:٤١]، أي: إذا جاء وقت الضر نسي المشرك شركه وتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يطلب من غيره سبحانه، وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨]، أي: المسجد بيت الله سبحانه، فإذا طلبت فاطلب منه وحده، ولا تشرك به سبحانه لا في دعاء عبادة ولا في دعاء مسألة.

وقال الله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [الرعد:١٤]، فانظر إلى قوله سبحانه: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) أي: لله عز وجل الدعوة الحق: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [الرعد:١٤] أي: يدعون الأنداد الذين اتخذوهم من دون الله وهم لا ينفعون ولا ينتفعون، ولا يملكون شيئاً، {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد:١٤]، وهنا تشبيه جملة بجملة، فشبه المشركين الذين يطلبون من آلهتهم أشياء وهي لا تعطيهم شيئاً، ولا تملك لهم شيئاً، كإنسان واقف أمام نهر، والنهر بعيد منه، وهو باسط يديه يقول للماء: تعال، والماء لا يأتي إليه، فالذي ينظر إليه يقول: هذا مجنون، إذ كيف يطلب من الماء أن يأتي إليه؟ فمثل هذا كمثل هؤلاء الذين يمدون أيديهم إلى آلهتهم، وهم يعرفون أنها لا تملك شيئاً.

قال: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [الرعد:١٤]، أي: في ذهاب وفي تيه وفي باطل، ولا يفلح صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>