للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إعراب كلمة (لا إله إلا الله)]

فمعنى (لا إله إلا الله)، أي: لا معبود بحق إلا الله.

الأصل في لا النافية للجنس أن يستغنى عن خبرها؛ لأنه مقدر.

أي: يقدر الخبر في (لا) النافية للجنس بأنه موجود، تقول: لا أحد في الدار، أي: لا أحد موجود في الدار، لكن لا يجوز هذا الإعراب مع هذه الكلمة العظيمة، فلا تقول: لا إله موجود إلا الله، فكم من آلهة غير الله موجودة، وكلها باطلة، فلا بد من التقدير بهذا الوصف: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.

فليس من اللائق أن تقول: لا إله موجود غير الله سبحانه، قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:٢٣] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً} [مريم:٨١] فكلمة (لا إله موجود) هذه لا تصلح وإنما الذي يصلح فيها أن يقال: التقدير هنا: لا إله حقاً، أما باقي الآلهة فهي آلهة باطلة.

وقولك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، توكيد للإثبات؛ لأن (وحده) حال، ولذلك لا يصح أن تقول: (وحدُه)، كما نسمع كثيراً من الناس يقولون: لا إله إلا الله وحدُه، فهذا خطأ، والصحيح أن تقول: لا إله إلا الله وحدَه، فتنصبها على الحال تأكيداً للإثبات.

فقولك: (لا إله) هذا نفي، (إلا الله) هذا إثبات.

(وحده) تأكيد لهذا الإثبات، أن الله وحده الذي يستحق العبادة، فلا شريك لله سبحانه وتعالى، بل هو الإله المعبود بحق، كما قال الله سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣].

وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

وقال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف:٦٩ - ٧٠] فقد عرفوا أنه المعبود، ولكن يعبدون آلهة معه ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣].

فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب بالحب والخضوع والتذلل رغباً ورهباً؛ لذلك مدح الله عز وجل الأنبياء الذين يعبدونه، فقال: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:٩٠] فهؤلاء الأنبياء هم الذين شرفهم الله سبحانه، وجعلهم فوق جميع خلقه بأن جعلهم رسله وأنبيائه، فذكر من عبادتهم أنهم كانوا يدعونه رغباً ورهباً، قال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠] فقوله: (يدعوننا رغباً) أي: يطلبون الجنة ويرغبون فيما عندنا، (ورهباً) أي: يخافون من النار.

فالأنبياء يطلبون الجنة ويخافون من النار، إذاً: فمن باب أولى أن كل إنسان مؤمن يرجو من الله رحمته وجنته، ويخاف من عذابه سبحانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>