للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إبراهيم يترك أهله في واد غير ذي زرع]

ومن خصال الخير التي جمعها إبراهيم عليه السلام أنه بنى الكعبة عليه الصلاة والسلام يعينه إسماعيل وقبل ذلك يستعين بربه سبحانه تبارك وتعالى.

فقد ذهب إبراهيم بأم ولده إلى مكة بأمر الله سبحانه، وتركها هنالك مع ابنه ووحيده إسماعيل، ومعها سقاء فيه ماء، وجراب فيه تمر، ثم تركهما وهي تنادي عليه: إلى من تتركنا يا إبراهيم؟! فيسكت عليه الصلاة والسلام ويمضي في تنفيذ أمر الله عز وجل، فيترك ابنه الرضيع الذي جاءه وهو شيخ كبير في هذا المكان متوكلاً على الله، واثقاً في الله سبحانه تبارك وتعالى، مع أم ولده.

ولم تكن هاجر زوجة له، وإنما كانت أم ولده، فقد كانت أمة أهداها ملك مصر لـ سارة، فأهدتها سارة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فوطئها فرزقه الله منها إسماعيل عليه السلام.

فلما تركها هنالك وانصرف قالت: آلله أمرك بذلك؟ قال: نعم.

قالت: إذاً لا يضيعنا، فأحسنت التوكل على الله، فرزقها الله عز وجل بئر زمزم، تفيض ماء لها ولولدها، ورزقها الله عز وجل من يأتون إليهم جيراناً ويعيشون معهم في هذا المكان.

وحين ترك إبراهيم هاجر وابنه وتولى عنهما وراء أكمة مرتفعة ظهر منه الشوق والحب لأهله، فتضرع إلى ربه قائلاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].

وقد أخفى عنهم هذا التضرع الذي بينه وبين ربه، إذ لو أظهر هذا أمامهم فقد يبكي ويبكون ويشق عليهم ذلك، ولكنه تعمد أن يتركهم ويذهب وراء أكمة مرتفعة ثم يتضرع إلى ربه أن يهيئ لهم أسباب النجاة؛ لأنه قد تركهم في مكان لا يوجد فيه أنيس ولا جليس، ولا يوجد فيه ماء ولا زرع ولا ضرع، ولكنه تركهم طاعة لله، محسناً التوكل على الله، فصار هذا المكان مكاناً يحجه الناس ويعتمر إليه من كل فج عميق.

<<  <  ج: ص:  >  >>