بمنظر ذلك الباب مأخذاً بلغ منه أنّي صمّمت على تقليد شيء من شكله في بيتي الّذي أسكنه في منيل الروضة. ثمّ دخلنا في بهو يلاحظ المارّ به أنّ في أعلى الباب الحديد من الجهة اليمنى من الداخل نقوشاً على الجدار ومرسومات حفريّة بديعة من شجر الريحان، وكتابات ينتهي تاريخها إلى سنة ٦٠٥ هجرية الموافقة سنة ١٢٠٩ ميلادية على عهد الملك الظاهر. ويلاحظ أيضاً على يمين ويسار الباب الثاني رسومات حفرية أخرى تمثّل رؤوس الفهود تمثيلاً متقناً. ومن ذلك الباب خرجنا إلى صحن متّسع مغطّى بكومات من الأتربة والأنقاض، وفيه آثار جملة طرق. وقد دار في نفسي وقت ما كنت ماشياً في ذلك الصحن أنّه لابدّ أن يوجد تحت الحجارة والردوم شيء عظيم من الآثار التاريخية العجيبة. وبعدئذٍ ذهبت مني اِلتفاتة على باب مخفي بعضه تحت أطباق التراب، فسألت عنه بعض الملمين بذلك الأثر العتيق، فقال لي: إن من ذلك الباب يدخل الإنسان إلى مسجد صغير، كان يصلّي فيه بعض العسكر المتمرضين، فمالت نفسي للاطلاع عليه شأن السائح الّذي يريد أن يستطلع كلّ شيء غريب يقع تحت نظره. فدخلت هذا المسجد ورأيت فيه محراباً، وكان في دوائره وزرة من خشب عليها نقوش ما نظرت عيني إلى اليوم أجمل منها. ولقد رأيت من الرسوم الناتئة والحفرية والنقوش العربية ما لست أحصيه عدداً، خصوصاً ما شاهدته من ذلك فيما يوجد عادة في أوائل الكتب الأثرية. ومع ذلك، لم أذكر في مرّة من المرات أنّي اطّلعت على أعجب وأتقن من تلك النقوش المحكمة والرقوش الدقيقة. وهذا ما اقتضاني، إذ ذاك، أن أتأسّف كثيراً من إهمال ذلك المسجد الجليل وتركه بدون أقل مراقبة. ولابدّ أنّ شيئاً عظيماً من صناعاته البديعة وزخارفه المدهشة قد ضاع ومحي أثره، لأن في وجود مثل الآثار التي شاهدناها على الجدران وغيرها ما يستدلّ منه
على أن المسجد كان قبل أن تفتك به عاديات الزمان حافلاً بالمصنوعات العربية الّتي من هذا القبيل. ولسنا نعرف لعفاء هذه الأشياء النفيسة سبباً سوى عدم العناية في مبدأ الأمر بحفظ آثار المتقدّمين وأعمالهم التاريخية النبيلة. وبعد ذلك مررنا بالآبار، وقال مرشدونا في ذلك المكان إنّها عميقة إلى قرار بعيد، ولا يبعد أنّها