وكان قد جاءنا على أثر نزولنا في الفندق أيضاً جناب وكيل غبطة بطريك الطوائف المارونية، يحمل إلينا سلام غبطته ويدعونا عن لسانه إلى زيارته في بيته الّذي في الجبل حيث هو لم يستطع الخروج منه. وقد بلغني أنّه يميل كثيراً إلى الأسرة الخديوية لما يعرفه من رعايتهم لأبناء الشام، وما يبلغه من حسن معاملة الحكومة الخديوية لهذا الشعب. ومن ثمّ كان غبطة البطريك يودّ من صميم قلبه أن نعده بزيارته كيما يستعدّ بعمل زينة باهرة واحتفال فخيم، حتّى قال محدّثنا في هذا الشأن إنّه قد صمّم على أن يبالغ في تكوين الزينة ورونقها إلى ما لم يسبق له نظير لسوانا من كلّ زائريه وضيوفه. ولقد كنت أحبّ كثيراً أن ألبّي دعوة هذا الرئيس الديني الكبير وأصعد لزيارته في الجبل، غير أنّه مع مزيد الأسف كانت
مدّة إقامتنا لا تسمح بهذه الزيارة. ولذلك قلت لجناب الوكيل ما يتضمّن هذا العذر، ووعدته أن أستبدل من زيارة غبطة البطريك زيارة مدرستهم. فشكر لنا ذلك وانصرف مشيّعاً يما يليق به من الاحترام، محمّلاً منّا إلى رئيسه الكريم عاطر التحيّة والسلام. وعلى ذلك انقضت سحابة هذا اليوم.
[زيارة المدارس]
ولمّا أن أصبح الصباح ذهبنا إلى زيارة المدارس الّتي كنّا بيّتنا النيّة على مشارفتها، فابتدأنا بزيارة المدرسة الأهلية، وحين وصلنا إليها وجدنا في استقبالنا عند مدخلها جناب ناظرها الفاضل، وهو رجل هندي الجنس، غاية في الأدب والنشاط، فسلّمنا عليه ورحّب بنا وكان يعجبني منه زيادة عن كلّ شيء احتفاظه بدينه وتمسّكه به تمسّكاً شديداً. ثمّ إنّه عرض علينا ما كانت تشتمل عليه المدرسة من الأعمال والأدوات، بعد أن طاف بنا على جميع مداخلها وغرفها، وعرض علينا أيضاً بعض التلاميذ ممّن كانوا لا يزيد عمر الواحد منهم عن أربع سنوات، وامتحنهم أمامنا فيما