ومتى أرادوا أن يحاولوا أمراً من الأمور لا يعدمون له وسيلة ولا يفقدون فيه حيلة. إذن، فماذا عساني أن أصنع ولا محيص من الكلام مع هؤلاء الخطباء الكرام، لاسيما وأن فيهم عطوفة الوالي وقومندان الجيش وأركان الولاية إلى غير ذلك ممّن عرفت أنّه لا يحسن السكوت في إجابتهم؟ نعم، إنّي قمت وأجملت في أقل ما يمكن من الكلام ما كان يجول في نفسي من إظهار عواطفي نحو الجماعة وشكرهم على ما لاقيته من كرمهم ولطفهم. وقلت في ختام مقالتي، بعد أن دعوت الله لهم ولجلالة السلطان، أنّي أرجو لبلدكم هذا مستقبلاً جميلاً في عهد عطوفة الوالي، وأنّكم بهمّته ونشاطه ستبلغون، إن شاء الله، أسمى المقاصد وأعلى المطالب، فإنّه من خير الرجال المخلصين والحكّام العاملين دائماً على سعادة بلادهم وراحة شعوبهم. ثمّ عدنا إلى الفندق مودّعين من لدن صاحب العطوفة فخري باشا بكلّ تجلّة واحترام. وقد بيّتنا النية على الرحلة من حلب في صباح يوم الثلاثاء ٢ربيع الثاني سنة ١٣٢٨. ولابدّ لنا إن شاء الله من ذكر كلمة عن حلب الشهباء وفاء بحقّها، وقد كانت من أجمل بلاد الشام وأعظم مدائنها عمارة وحضارة، لاسيما وقد رأينا من معروف أهلها وودادتهم ما لا ننساه لهم على طول الحياة، وما لعلّنا إذا ذكرنا شيئا منه نكون قد أدّينا الواجب علينا تلقاء ما صادفناه من شهامة هؤلاء القوم ومروءتهم العالية.
[حلب]
هذه المدينة واقعة على الدرجة ٣٦ و١١ دقيقة و٣٢ ثانية من العرض الشمالي ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر نحو ٣٢٠ متراً، وهي قائمة في سهل منخفض على حدود الصحراء تحيط بها تلول كثيرة، ويرى حواليها آثار أبنية قديمة تدلّ على أنّ هذه البلد كان محاطاً بسور كبير ضخم، بل إن أثر السور نفسه لا يزال قائماً في بعض نواحيها إلى الآن، وله أبواب عدّة تسمّى بأسماء مختلفة، فمنها باب النصر وباب الفَرَج وباب الجنين وباب أنطاكية، لأنّه قائم على طريق أنطاكية الّتي هي على