فسررنا جدّاً من نجابتهم واِستعدادهم. ثمّ عدنا ثانية إلى قاعة الاستقبال حيث كانوا ينتظروننا بالمرطّبات. وهنالك أثنينا على رقيّ هذا المعهد العلمي، وقلنا لرئيس المدرسة الأستاذ الشيخ أحمد أفندي عبّاس: إن الواجب الأوّل في التعليم هو الاعتناء بتربية الأخلاق الكريمة في نفوس التلاميذ، وحضهم دائماً على الاشتغال بالعلم للعلم نفسه، حتّى لا يتجهوا في طريق التعليم إلى غاية أخرى. وقد أجابنا حضرته بما معناه أن هذه الرغبة الحميدة هي عين الغاية الّتي تسعى إليها المدرسة منذ نشأتها. ثمّ بارحناهم شاكرين لهم ما لاقيناه من عنايتهم ومعروفهم.
[نزهة في الضواحي]
ذهبنا ومعنا عزيزنا الفاضل أحمد بك العريس لنقضي وقت العصر في التنزّه ببعض الجهات الّتي كنّا لم نشاهدها، فمررنا بعربتنا في ضواحي المدينة. وكنّا أثناء السير نرى من مناظر الطبيعة ما لا نقدّر حسنه، خصوصاً عند الرجوع.
فإن سبيلنا إذ ذاك كان من الطريق القديم الموصل ما بين بيروت ودمشق. وقد صادفنا ونحن سائرون غابة كبيرة من شجر الصنوبر كان قد أمر بغرسها جدّنا المرحوم إبراهيم باشا الأكبر. وسبب ذلك، على ما علمناه من حديث القوم هنالك، أنه قبل أن توجد هذه الغابة كان مرض الحمّى متفشّياً في المدينة يفتك بأهلها فتكاً ذريعاً. فتوجّهت همّة المرحوم إبراهيم باشا إلى مطاردة هذا الداء الخبيث بذلك الغرس الجميل الّذي من خواصه تطهير الهواء واِمتصاص المواد العفنة الّتي كان يتسبّب عنها هذا الداء، وقد تمّ له بسبب ذلك ما أراد. وقد وجدنا في طول هذه الغابة وعرضها طرقاً منتظمة جميلة المنظر، يقال إن الّذي أنشأها هو المرحوم إسماعيل بك كمال (الذي اشتغل كثيراً في مسألة اِستقلال الألبانيين) حينما كان والياً في ولاية بيروت. وقد مررنا أيضاً بجملة حدائق بهيجة كان غرسها من شجر البرتقال والليمون والتوت. وفي أثناء الطريق وجدنا مقابر عدّة، بعضها لليهود وبعضها للمسيحيّين، حتّى إذا كنّا على مقربة من حديقة إفرنكو باشا رأينا قبر المرحوم الشيخ أحمد فارس، ذلك العالم المشهور الّذي يقال إنه اِعتنق الدين الإسلامي أخيراً ومات عليه بعد أن اِعتنق جملة أديان وتقلّب