من حسن الاتّفاق أنّ سفرنا من ميناء بور سعيد كان يوم الجمعة ٢١ ربيع الأوّل سنة ١٣٢٨ فكان يوماً ميمون الطلعة حسن الفأل. وكان أوّل طوالع البر والخير لهذه الرحلة السعيدة. فبعد أن أدّينا فريضة الجمعة في الجامع العبّاسي، وتناولنا طعام الغداء لدى سعادة محافظ المدينة، توجّهنا على بركة الله إلى الباخرة الفرنسية، وهي إحدى بواخر شركة (مساجري). وكان يودّعنا جمّ غفير من رجال الحكومة وأعيان البلد ومظاهرها يتقدّمهم مع حضرات العلماء سعادة المحافظ. وحينما وصلنا إلى الباخرة ألفينا رئيس الشركة في انتظارنا من أجل أن يهدينا إلى المخدع الّذي أعدّ لنا هناك. ثمّ ما كدنا نسكن إلى مجالسنا من المكان حتّى استدعى الرئيس قبطان السفينة، وأخذ يلقي عليه من الأوامر والتعليمات اللازمة لراحتنا في هذا السفر ما شاء الله أن يلقي، وكان القبطان يلبّي رئيسه إلى ذلك طائعاً مسروراً. ولم يمض علينا من وقت وصولنا إلى المركب إلا نصف الساعة تقريباً حتّى بارحنا الميناء مودّعين من جناب المحافظ ومن كان معه بغاية الحفاوة والإكرام.
[بيروت]
وما زلنا مسافرين والباخرة تنفذ في أكباد البحر وتمزّق أحشاء الماء، حتّى ألقت مراسيها في وسط ميناء بيروت حيث دخلناها في صباح يوم السبت ٢٢ ربيع الأول. وهناك وقع نظرنا لأول مرّة على الجهات الشاميّة الجميلة. وحينئذٍ لا تسل عمّا كان يتجدّد في صدورنا من الانشراح والسرور بمشاهدة تلك البقاع الّتي لها في تاريخ الإسلام ذلك المكان المعروف، خصوصاً عندما رأينا جبل لبنان مشرفاً على بيروت وضواحيها إشراف الملك على رعيّته والقائد على جنده، وكأنّه لم يكتف بأن يشرف على الدأماء حتّى أراد أن يعانق الجوزاء. وممّا نشكر الله له ونحمده عليه أنّنا ما لقينا من سفرنا هذا نصباً لأنّ الجوّ كان في غاية الاعتدال، وكان البحر بالمصادفة ساكناً هادئاً يهدي إلينا في طيّات