كلّ ذلك. فإن والداً يقسو على فلذة كبده إلى حدّ أن لا يفرض له وجوداً طول هذه المدّة، ليس مما ينبني على أسباب بسيطة أو يترتّب على حوادث هيّنة. ولهذا لم أجد لي جواباً سوى السكوت، وقد كنّا بحسن المصادفة مطلوبين لتناول الطعام.
[السفر من حمص]
وحين بزغت شمس اليّوم الثاني جهّز لأجلنا أربع مركبات، كان من ضمنها مركبة سعادة عبد الحميد باشا الدروبي الخاصّة وثلاث من مركبات الإيجار، فركبت العربة الأولى ومعي سعادة الباشا المذكور. وركب حضرة عزيزنا أحمد بك العريس ومعه محمود خيري أفندي عربة بعدنا، أمّا العربتان الباقيتان فقد ركبهما
اثنان من توابعنا، ومع كلّ واحد منهما بعض المتاع الخاص بنا. وقصدنا إلى طرابلس حيث إنّه لم يمد إلى الآن خط حديدي يربط بين حمص وبين طرابلس ولا يزال المسافرون من هذه إلى تلك يركبون إمّا العربات أو الدواب. وعلى كلّ حال فإنّ السفر في هذا الطريق سهل، بل هو في المعنى أشبه بالفسحة الرياضية لما يصادف المسافر فيه من الأغراس اليانعة والأحراش الجميلة. ثمّ إننا قبل أن نتحرّك ودّعنا سعادة متصرّف المدينة وحضرات الحكام وأكابر القوم الّذين كانوا قد حضروا إلى دار سعادة الباشا لهذا الغرض، وشكرناهم وذكرنا لهم معروفهم في غير مرّة بغير عبارة. وبعد ذلك ابتدأنا السير، وكان أمام عربتنا أربعة من عساكر الجندرمة، وأربعة آخرون مثلهم من خلفنا. وما برحنا نواصل السير في ذلك الطريق حتّى وصلنا إلى سرادق جميل كان قد أعدّه لأجلنا بالخصوص حضرة المفضال محمود بك أحد زعماء مشايخ الدنادشة. وكانت مسافة مسيرنا منذ خرجنا من حمص حتّى وصلنا إلى هذه النقطة لا تبلغ أكثر من نصف ساعة.
[في الطريق]
وهناك كان ينتظرنا حضرة البك المذكور مع لفيف من أسرته الكريمة، بينما كان