تزال تستمدّ عزّها وقوّتها من بيتكم الكريم وعرشكم الفخيم، منذ عهد المرحوم إبراهيم باشا، جدّكم العظيم. فلا يستكبر مولاي أن ينظر حائط بيتي هذا محلّى ومزيّناً برسوم حكّام مصر وأمرائها الفخام. وإنّي لست إلا أثراً من آثار إحسانهم وغرساً من غراس نعمتهم، وكذلك كان والدي من قبلي. لأن جدّكم المرحوم إبراهيم باشا هو الّذي أسّس مجد بيتنا وشاده ورفع قواعده وعماده، منذ تفضّل فولّى والدنا إمارة الدروز. وإذ ذاك كان في يد البك ورقة، فناولنا إياها وقال: وذلك هو الفرمان العالي الّذي صدر من المغفور له جدّكم إلى والدنا، عندما ولي هذا المنصب الكبير. فمثل هذا الإحسان يا
مولاي يجعل آل جنبلاط كلّهم أسرى لذلك البيت العظيم، شاكرين لأنعمكم ما دامت أنفاس الحياة تتردّد في صدورهم، فشكرت لهذا الأمير شعوره وإخلاصه. وبعد ذلك بقليل دعينا إلى غرفة الطعام فأكلنا من طعامهم الشرقي الشهي ألواناً كثيرة، ثمّ خرجنا من تلك الغرفة إلى ردهة جميلة الموضع كانت تطلّ على البحر من ناحية، وتشرف على صيدا من ناحية أخرى. وكان معنا بعض أعيان المدينة، وقد أظهروا لي شدّة ميلهم في أن أزور بلدهم وأتطوّف على آثارها وعلى بيوت الكبراء فيها، فشكرت لهم حفاوتهم وعنايتهم معتذراً إليهم بضيق الزمن. ثمّ ودّعناهم، وشكرنا لحضرة البك أمير الدروز وأنجاله أدبهم وكرمهم.
[إلى بيروت]
ومن هناك ركبنا السيارة، حيث كانت الساعة اثنتين بعد الظهر، عائدين إلى مدينة بيروت الّتي لم نلبث أن نقيم فيها إلا قليلاً. ثمّ قصدنا إلى زيارة مدرسة المارونيين، وهي تلك المدرسة الّتي كنّا استبدلنا بها زيارة غبطة البطريك.
[المدرسة المارونية]
وصلنا إليها، وعند ذلك وجدنا في انتظارنا على بابها جناب وكيل البطريك وعدداً كبيراً من حضرات القسس فسلّمنا عليها، ورأينا من استقبالهم لنا وترحيبهم