عليهم. وعندما انتهى ذلك الخطيب الفاضل هممت بأن أقوم خطيباً وأبدأ خطبتي لهم بشكرهم على ما صادفته من سماحة نفوسهم وكرم أخلاقهم، ثمّ أبيّن مقدار ما اِنطوت عليه قلوب المصريّين الكرماء من محبّة العرب والشاميّين، غير أنّي لاحظت أنّ الظروف وقتئذٍ لا تسمح لي أن أقوم فأقول شيئاً من هذا في حفلة كبيرة مجموع لها الناس، مخافة أنّ الحكومة العثمانية الجديدة ربّما تتشوّش من الخطبة، أو تتأوّلها بما لعلّه يخالف غرض الخطيب ويبتعد عن قصده ومراميه. وبعد ذلك قمنا متوجّهين نحو السرادق لتناول ما كان أعدّ لنا من الشاي وغيره. ثمّ قصدنا إلى الفندق وكان طريق مرورنا من وسط الحديقة حتّى الباب غاصّاً بالأهالي. وعند ذلك وُدّعنا من
حضرتي الرئيسين ومن كان معهما بمثل ما استقبلنا به من الإكرام والحفاوة، فشكرناهم وركبنا العربات حيث وصلنا إلى فندقنا قبل الغروب. وإذ ذاك حضر لزيارتنا بعض أعيان المدينة وكبارها، وكان بينهم المفتّش العثماني في شركة السكّة الحديديّة الفرنسيّة، فقابلناهم جميعاً شاكرين لهم حفاوتهم الكبيرة وزياراتهم الكثيرة. وقد بلغني في هذا المجلس أنّ الشركة أعدّت لسفرنا صالوناً خاصاً بقطر الصباح، حيث كنّا اِعتزمنا - مع مشيئة الله تعالى - على الرحلة في ذلك القطر إلى مدينة دمشق.
[كلمة عن بيروت]
وهنا رأيت أنّه لابدّ لي قبل مبارحتي لهذا البلد من ذكر كلمة مختصرة عنها، ملحقة بما تقدّم من كلامنا فيها، على الرغم من أنّ هذه المدينة من المراسي الشهيرة والمدن التجارية الكبيرة الّتي قد عني بشأنها قديماً وحديثاً أرباب المحابر من الكتّاب وعلماء التاريخ، فأفاضوا في الوصف وأطنبوا في بيان ما يتعلّق بها من الجهات المهمّة والأغراض المفيدة، لأنّي إنّما أريد أن أذكر في رحلتي هذه جميع ما كنت أشاهد بعيني وأقف عليه بنفسي. ولعلّني إن أتيت في خلال ذلك من الآراء والملاحظات على حياة القوم الاجتماعية وبعض الأمور الداخليّة بما عساه أن يمرّ على بعض النّاس فيغمضوا فيه إغماضاً أو يتركوه وراءهم ظهريّا، دون أن يعيروه ما يستحقّه من