هَذي العواطفُ بالإِخلاصِ نُبديها ... بِشَخص علياكمُ الأسمى إلى مصرِ
لا زلتَ بينَ البرايا تَنثني ... باليمنِ وَالرغدِ والإسعادِ والبشرِ
وبعدما فرغوا من ذكر أشعارهم ومقالاتهم، أخذنا نتحدّث في موضوع التجارة المحليّة. وسألتهم في ماذا يتّجر أهل حمص وأيّ الأشياء أكثر شهرة في متاجرهم فذكروا لي أنّ تجارة الحمصيّين قائمة في الغالب على ما لا يمكن الاستغناء عنه من محاصيلهم ومصنوعاتهم التي أشهرها وأهمّها المنسوجات الحريرية والقصبية ثمّ إن حمص هي البلدة الوحيدة الّتي اِشتهرت في جميع بلاد سورية بحل الحرير وإحسان صنعته ونسيجه، ثمّ قمنا من ذلك المجلس الحافل مودّعين من كلّ المحتفلين الكرام بغاية الإكرام والاحترام وبعد أن شكرنا لهم هذا الأدب والمعروف عدنا إلى بيت سعادة الباشا الدروبي وما برحنا هناك نستقبل ونودّع حضرات الزائرين الّذين كانوا يفدون علينا في هذا البيت الكبير زمراً وأفواجاً حتّى اِحتجبت الغزالة في خدرها وقد كان جيء إلينا في تلك الأثناء بحصانين قريعين، فلم نجدهما وفق رغبتنا من كلّ الوجوه على أنّهما لم يكونا من الجياد الكريمة الأصل ولا من هذه الخيل المطهّمة.
[السفر من حمص]
وفي صبيحة اليوم الثاني كنّا تأهّبنا للسفر إلى حلب، فتوجّهنا من منزل سعادة عبد الحميد باشا إلى المحطّة في ركاب حافل من مظاهر القوم وأعيان المدينة الّذين رافقونا حتّى ودّعناهم ونزلنا في القطار وكان لا يزال معنا سعادة الباشا الدروبي ذلك الرجل الأريحي الّذي جمع بين حزم الشيوخ وعزم الشباب وعرف كيف يستخلص له قلوب الناس ويحلّ من صدورهم محلّ الوالد البارّ نعم إنّا لا ننسى لهذا الشهم الواسع الخلق الرقيق العواطف ما رأيناه من فرط كرمه ومزيد عنايته