حواسّهم من الماديّات والطبيعيّات، فظلّوا من أجل ذلك عاكفين على عبادة الأصنام الّتي شيّدوها وأقاموا عليها المعابد وتغالوا في بنائها وزخرفها إلى حدّ يدهش العقول:
إنّ الهياكلَ وهيَ رأيٌ فاسدٌ ... فيها دَلائلُ قدرةِ العمّالِ
تُلقي عَليك دُروسَ تاريخ الأُلى ... شادوا القِلاعَ بِأضخمِ الأثقالِ
خرجنا من القلعة ووقفنا نتزوّد منها النظرة الأخيرة وعندئذ ما كان أشدّ حركتها في سكونها وأعظم فصاحتها في سكوتها، إذ كان يخيّل إلينا أنّ أصواتاً خافتة كأنّها لا تزال خائفة تتصاعد من خلال الأبنية الفخيمة، ومن تحت قواعد الأعمدة الجسيمة والهياكل العظيمة، قائلة: انظروا إلى ما بقي من هذه المباني العالية، ثمّ إلى تلك الأطلال البالية تعلّموا كيف كان مقدار قسوة الحكّام وظلمهم في العصور الخالية.