مصالحها الداخلية بعض المستخدمين في المصالح الصغيرة، كما تعلم دولتكم. وربّما كان أمثال هؤلاء، الّذين ترفعهم الحكومة وتمرّ بهم فوق رؤوس الكبراء، لم يكونوا من العلم والفضل بالمكان الّذي ينبغي لصاحبه أن يتّصل بأرباب العمل وأصحاب الرأي، ثمّ تترك في زوايا الإهمال فطاحل العلماء وأفاضل الرجال مثل عطوفة فخري باشا، ذلك الرجل العظيم الّذي كلنا يعلم بمقدار نبله وفضله وتثبّته في الأمور. نعم، إنّي مستغرب جدّاً كيف تنساه الحكومة وتهمله وتؤخّره من تقديم هو أولى وأحق به من أولئك الّذين قدّمتهم وكبرتهم، ممّن لا يحسن بمثلنا التصريح بأسمائهم أو عنوانات وظائفهم. هذا وقبل أن أبرح مجلسهم اِلتفتّ مرّة ثانية إلى دولة ناظم باشا وصافحته، ودعوت الله له أن يعينه ويساعده على مأموريّته المهمّة، وأن يؤيّده
ويوفّقه لخدمة البلاد والأمّة بما يقطع عنه ألسنة مبغضيه وحسّاده، وبما يكون منه البرهان الساطع على نقيض ما يقال الآن عن بعض المتفيهقين في كبار الرجال وشيوخهم المعمّرين. ومن هناك قفلنا عائدين إلى الفندق. وقد كنت أشعرت بعض الجماعة من أهل المدينة بشدّة ميلي إلى مشاهدة ما يصنع في ذلك البلد من قبيل المنسوجات الحريرية والقطنية والأصواف والجلود، كما طلبت إليهم أن يعرضوا عليّ كرائم خيلهم، عسى أن أظفر هذه المرّة بطلبي وأستعيض من جياد حلب الكريمة ما فاتني في المدن الأخرى. ولما أن سكنت معالم الطبيعة ولبس الجوّ جلبابه الحالك، قصدنا إلى غرفة الأكل حيث تناولنا ورفاقنا طعام العشاء، وكان معنا سعادة المفضال الأكرم عبد الحميد باشا الدروبي.
[في الفندق]
وفي صبيحة اليوم الثاني، جاءنا في الفندق صاحبا العطوفة والسعادة فخري باشا وجابري باشا، فاستقبلناهما بما يليق بمقامهما الكريم. وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث في غير مسألة، طلب إلينا سعادة جابري باشا أن نتناول طعام الغداء في منزله، فأجبناه إلى ما طلبه شاكرين له مروءته وكرمه. ودعانا كذلك عطوفة الوالي لتناول طعام العشاء، ملتمساً إجابته إلى دعوته في محفل الاتّحاد والتّرقّي. وحينئذ قلت