في صبح اليوم الثاني عوّلنا على الخطّة الّتي كنّا رسمناها للسياحة في بياض ذلك اليوم، وكان منها زيارة بعض وجهاء المدينة وسادتها الّذين كانوا جاؤوا لزيارتنا في فندق فكتوريا، ومنها أيضاً مشاهدة ما كان لا بدّ للسائح أن يطّلع عليه في دمشق من المناظر والآثار.
[الإنجليزي في دمشق]
وفيما نحن نعدّ أنفسنا للخروج، جاءنا صاحب الفندق يخبرنا أنّ الشاب الإنجليزي (ومعروف للقارئ من هو) مصاب في عقله وأنّه كثيراً ما تعتريه نوبات جنون شديدة فيتشوّش دماغه ويضطرب فكره، وعند ذلك يتهيّج وربّما يتلون في الملابس والأزياء ويتداخل في ما لا يعنيه من شؤون الناس ولا يبالي أن يزجّ بنفسه في أخطر الوقائع وأصعب الفظائع. وقد تعدّدت جناياته وجرائمه في بلاد الشام حتّى صار يعرفه كلّ الناس تقريباً، وأن له أباً رجلاً طبيباً من سكّان لبنان ومن محترمي الإنجليز أيضاً، وقد تعب كثيراً هذا الوالد المسكين يحاول إصلاح شأن ولده ويعالجه بكلّ أنواع العلاج، رجاء أن يؤوب إلى ثباته ويعود إلى رشده. ومع ذلك لم يفده الإصلاح إلا فساداً، ولم يزده العلاج إلا جنوناً. ولمّا أن يئس
والده المسكين من جهته ووجد أنّ نسبة اِبنه إليه واِرتباطه به على هذه الحال السيّئة ربّما يلحق به أذى وضرراً من جرّاء الجنايات الّتي يقترفها ذلك الوالد بخبله، اضطرّ أن يعلن على الملأ اِنفصاله عنه وبراءته من كلّ ما يحصل منه. أمّا أنا فقد أدهشني جدّاً هذا الخبر الفجائي الغريب، ولكنّي كنت أسأت الظنّ بالمخبر حتّى أتبيّن صحّة خبره، فسألت عن حقيقة ذلك الإنجليزي بعض من يعرفه من سكّان دمشق فأجابوني بما أكّد عندي حكاية صاحب النزل وحقّقها تحقيقاّ. وعندئذ لم يسعني غير أن أوعزت إلى حضرة الفاضل أحمد بك العريس أن يخليه من مأموريتنا ويبعده عنّا بدعوى أنّنا