ويظهر لي أن هذه القعقعة في مسمع أرباب الكيوف ألذّ من رنّات المثاني ودقّات الدفوف. وكان في الحفلة جوقة موسيقى وترية جميلة تطرب الجالسين بألحانها الشجيّة، وفيها اثنان يغنيان من أشهر المغنّين في مدينة حلب. وبينما نحن في تلك الحفلة جاءنا جماعة من مشاهير التجّار ومعهم بضائع وأصناف شتّى من المنسوجات الحريرية والقصبية وما أشبه ممّا يصنع في نفس البلد. وبعد أن اطّلعت عليها وأعجبني حسن نسيجها ودقّة صنعتها، اشتريت منها بعض الشيء الّذي يلزم لي. وعلى أثر ذلك أخبرت بحضور حصانين من أشهر خيل العرب في تلك الجهات فنهضت لرؤيتهما، وكانا حقيقة جوادين كريمين، أعجبني حسنهما حتّى رغبت فيهما رغبة تامّة وهممت بشرائهما، لولا أنّه ظهر لي أخيراً بالبحث الدقيق أن فيهما من العيوب الخفيّة ما لا يرجى زواله بسهولة. وبعد ذلك رأينا جواد صاحب الدولة ناظم باشا، وهو أدهم جميل المنظر، يشبه كلّ الشبه حصاني الأسود الّذي كنت أهديته من قبل السلطان عبد الحميد.
[إلى النزل]
ثمّ خرجنا من عند سعادة الباشا وأصحابه، ونحن لا نقدّر ما كان داخلنا من الجذل والسرور بما استقبلنا به أوّلاً وودّعنا به آخراً من الترحيب العظيم والحفاوة التامة، وقصدنا إلى الضواحي المباشرة للمدينة، فقضينا ردحاً من الزمن في التروّض بين
المزارع والبساتين. ثمّ عدنا من هناك إلى النزل لنستعدّ للدعوة الثانية عند عطوفة الوالي، ثمّ ما لبثنا إلا حيث أخذنا أهبتنا. ثمّ ركبنا عربتنا ووصلنا إلى نادي الاتّحاد فوجدناه آخذاً من الزخرف والزينة ما لابدّ أن العمال تعبوا فيه تعباً كبيراً.
في نادي الاتّحاد والترقّي
وكان عطوفة الوالي وجماعة من رجاله المخلصين ينتظرونا على مدخل النادي، فاستقبلونا بما أنطق ألسنتنا بشكرهم أجمعين. وبعد أن دخلنا غرفة الاستقبال