المهاجرين إلى سنة ١٩٠٦ بنحو٢٥٠ ألفاً متفرّقين في الجهات المذكورة. واللبنانيّون من هؤلاء يبلغون نحو ستّين ألفاً ما بين ذكور وإناث. وليس هذا شاهدنا ممّا أردنا إيراده في ذلك الموضوع، وإنّما نريد أنّ ابن لبنان إذا ما انقضى أربه وتمّ له ما يريد من الهجرة على البلاد البعيدة عاد ثانية إلى وطنه، ويفضل أن يأوي إلى بيت في الجبل دون أن يسكن بيتاً في مدن الولاية وبلادها، مع أنّ متمّمات رفاهته وأسباب ترفه وكماليات معيشته قد لا تتيّسر له إلا في المدينة، لا سيّما وأنّ بعض أرض الجبل صخري لا يصلح للاستنبات والزراعة. وعلى ذلك يؤثر اللبناني العاشق للزراعة أن يعيش في ذلك البلد ناقص الحاجة أو أن يتجشّم مشاق كثيرة ويتكبّد متاعب جمّة بجلب الطين من بيروت وغيرها لإصلاح الصخر وإعداده للزرع. كلّ هذا لأنّه يرى أنّ سكنى الجبل خير له من أن يسكن بلداً من بلاد الولاية، ويعيش تحت سيطرة الحكّام خاضعاً للنظامات والقوانين، ومعروف كيف كان يجري تنفيذها أرباب الشؤون. ليت شعري، كيف يملك الإنسان نفسه عندما يجد ذلك اللبناني قد
ترك وفضل ما بين المدينة المتحضّرة وبين الجبل مهما كانت حاله لأن يعيش متمتعاً بسرور الأمن ولذّة الراحة مطمئن النفس على ماله وعياله، على حين أنّه يرى غيره من أبناء الأمّة في دائرة الولاية وتحت سلطة الحكومة كاسف البال، منكود الحظ، وضيع النفس. هذا ما كان يستدعي أسفي الشديد وما كنت عنده أرجو الله تعالى أن يوفق أصحاب الكلمة والشأن لإصلاح الحال حتّى يستوي اللبناني والبيروتي ويسود العدل ويعمّ الأمن والسلام.
[السفر إلى دمشق]
ولمّا أن أصبح الصباح وأراد الله أن نمضي عزيمتنا على زيارة دمشق، أخذنا أهبتنا للسفر وركبنا من باب الفندق مركباتنا الّتي مازالت تواصل السير حتّى كان آخر سيرها عند رصيف الميناء حيث كان عند مرسى السفينة موقف القطار. وقد وجدنا المحطّة غاصّة بأهل المدينة الّذين كانوا قد سبقونا إليها للاحتفال بوداعنا، فودعنا منهم ومن رجال الحكومة والثراة والأعيان وداعاً كان من أكبر مظاهر الأبّهة وأبهر مناظر