وأهل بيروت خصوصاً، من زيارتنا لبلادهم. ثمّ أخذ يُطيل ما شاء الله في وصف الإعجاب بوجود أمير من أمراء الشرق، ومن ذريّة المرحوم محمد علي باشا الكبير، في تلك البلاد الّتي طالما عطشت إلى وجوده واِشتاقت للتمتّع بطلعته بينما، تكرّرت فيها زيارة الأجانب من الأمراء الغربيّين وغيرهم. وشرع بعد ذلك يذكر مآثر المغفور له مؤسّس الأسرة الخديوية وأصل الدوحة العلويّة قائلاً: إنّ التاريخ لم يسجّل عليه محاربته للدولة العليّة حتّى ملأ صفحاته البيضاء بذكر ما كان له رحمة الله عليه من الإصلاحات الكبيرة والخيرات الكثيرة في جميع البلاد الّتي تمتّعت بعدله وسعدت بحكمه أعواماً طوالاً. وأشار في أثناء ذلك إلى تلك الغابة الّتي أسلفنا أنّها غرست بأمر المرحوم إبراهيم باشا الكبير. وهنا أطنب إطناباً في بيان ما لهذه الغابة الصنوبرية من الفوائد الجمّة والمزايا المهمّة، مفيضاً في شرح منافعها المحسوسة من الوجهة الصحيّة، وكيف أنّها كانت حجازاً مكيناً وحصناً حصيناً بين سكان المدينة وبين ذلك الأسد المغتال والمرض القتّال الّذي طالما كانت تكثر زيارته وتثقل ضيافته فيعبث بالمهج العالية والأرواح الغالية، وهكذا حتّى إذا اِنتهى ذلك الخطيب المصقّّع من خطابته البليغة، أخذ جميع
الحاضرين يصفّقون تصفيقاً حادّاً إظهاراً لمكان الخطبة من نفوسهم، بينما كانت الموسيقى تعزف بألحانها الشجيّة ونغماتها المطربة، فكان لها مع تصفيق القوم وضوضائهم مجموعة رنّات، اخترق تأثيرها الشديد أعماق القلوب. ثمّ قام حضرة الفاضل الشيخ أحمد طبارة، وألقى كذلك خطبة أخذت بمجامع القلوب. وكان اِبتداء الكلام فيها بإطراء الأسرة الخديوية، وبيان مآثرهم في البلاد المصرية والشاميّة. ثمّ أخذ يذكر روابط الوداد وعلائق الاتّحاد بين الشعبين المصري والشامي. وأفاض في بيان الأسباب الكثيرة لاتّفاقهما وتآخيهما الّتي ذكر منها أنّهما متّحدان في اللّغة الأصيلة، وأنّهما متجاوران، وأنّ تجارة الشام في مصر من أكثر التجارات وأعظمها رواجاً، وأنّ كثيراً من أبناء الشام هاجروا إلى مصر واستفادوا منها ماديّاً وأدبياً فوائد جمّة. فمنهم من اشتغل بالتجارة، ومنهم من استخدم في وظائف الحكومة ومصالحها وغير الحكومة أيضاً ممّا لا يسعنا معه سوى الاعتراف بفضل مصر على الشاميّين، حيث رحّبت بهم وفتحت أبوابها في وجوههم، فما زالوا يمرحون في بحبوحة كرمها ونعمتها إلى غير ذلك مما كان صريحاً في إقرارهم بمعروف مصر وفضلها