للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَنتَ محمّد للمجدِ تَهدي ... لِذا سمّاك آلكَ بالعليِّ

فَسُبحانَ الّذي سوّاك يا من ... يذكّر بِالجمالِ اليوسفيّ

وَإِن شِئنا نَقول اليومَ شمنا ... تَباشيرَ الكمال الآصفيِّ

أَلا اهنأ يا أَخا العبّاس واصعد ... ذُرى العلياءِ يا أَولى وليِّ

وهنا لا أستطيع أن أصف كيف كان تحرّجي في هذا الموقف الضيّق، إذ كنت منه بين عاملين عظيمين يتنازعاني إيجاباً وسلباً: فبينما أرى أنّه من حقّ القوم عليّ أن أحيّيهم وأشكر لهم مجاملتهم ومروءتهم في خطبة مثل خطبهم، قياماً بالواجب المفروض على الإنسان للإنسان من جهة دينه وأدبه، خصوصاً في مثل هذه الظروف؛ وقد قيل من صنع معكم معروفاً فكافئوه؛ وقيل أيضاً من لم يشكر الناس لم يشكر الله؛ وفوق هذا وذاك قول الحقّ جلّ شأنه: (وَإِذا حُيّيتم بِتحيّةٍ فَحيّوا بِأَحسنَ مِنها أَو ردّوها)، إذ أجد أنّ مقتضى السياسة الحاضرة يحظر على مثلي أن يقف خطيباً في هيئة عامّة كهذا المحفل الكبير، مخافة أن ينقلب الاجتماع من عادي بسيط إلى سياسي محض، فإنّه ما أسرع ما تحيط الظنون والأوهام بالأحاديث التي يلقيها الأمراء والحكّام في المجالس الرسميّة أو الشبيهة بها، ويتناقلها الناس بعضهم عن بعض. وقلّ في الناقلين من لم يشوّه وجوه الأخبار ويمسخ صورها، ومن لم تحمله نزعته على أن يذهب بها وفاق الأغراض والغايات. ولا على مثل هذا أن يفعل غير مبال إذا هو وافق المصلحة العامة أو

خالفها، بل إذا ترتب على فعله شقاء أمّة بأجمعها. وكثيراً ما ينتفع سماسرة السوء وأعوان الشرّ من مثل هذه الفرصة، وينتهزونها لإلقاء الدسائس وإثارة الوساوس بما اعتادوه من الشغب وإقلاق الخواطر. ومن العجيب أنّ هؤلاء يستطيعون أن يرتّبوا أخطر الأعمال على أوهن الأسباب،

<<  <   >  >>