للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منها فجمع أصنافاً من العرب وصالحهم على الجزية ثمّ أسلموا بعد ذلك. وأتى حلب، وعلى مقدّمته عياض بن غنم الفهري، فتحصّن أهلها وحاصرهم المسلمون، فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم ومدينتهم وكنائسهم وحصنهم فأعطوا ذلك، واستثنى عليهم موضع المسجد. ومن هذا الحين أخذت البلد تتقدّم وتزداد أهميّتها. وكانت عاصمة ملك سيف الدولة بن حمدان من سنة ٩٣٦ إلى سنة ٩٦٧ ميلادية. وفي سنة ٩٦١ استولى عليها البيزانطيون تحت رياسة نقفور ولكن لم يستطيعوا الاستيلاء على حصنها، ثمّ جاءت بعد ذلك الحروب الصليبية. وفي سنة ١١١٤ هدمتها الزلازل. وفي سنة ١١٢٤ حاصرها الملك بيدوين، أحد ملوك الصليبيين، ولكنّه لم يتمكّن من الاستيلاء عليها. وفي سنة ١١٣٩ عاودتها الزلازل ثانية، ثمّ رجعت ثالثة وكانت في الأخيرة أشدّ منها في الأوليين، وذلك في سنة ١١٧٠، فجدّد عمارتها وأعاد إليها سيرتها المرحوم السلطان نور الدين الشهيد. كما أنّه بنى القلعة، ثمّ هدمها المغول تحت رياسة هولاكو في سنة ١٢٦٠، ثمّ أعادوا الكرّة عليها في سنة ١٢٨٠. وفي عهد سلاطين المماليك بمصر، كانت حلب عاصمة الشام الشمالية. وفي سنة ١٤٠٠ خرب المدينة تيمورلنك، بعد واقعة هائلة على الأبواب هزم فيها السوريون شرّ هزيمة. وفي سنة ١٥١٦ افتتحها السلطان سليم ومحا آثار سلطة المماليك منها. ومنذ ذلك العهد وهي قاعدة ولاية. وإذا كانت حلب قد استطاعت،

على الرغم من كلّ هذه الحوادث المتكرّرة والمصائب المتتابعة، أن تقوم من وهدتها لامّة شعثها رافعة رأسها حافظة لكيانها ومكانها، فذلك إنّما هو بفضل مركزها الجغرافي والتجاري. أمّا مركزها الجغرافي، فلأنّها قائمة على طريق العجم والهند. وأمّا مركزها التجاري، فلأنّ تجارة الحرير والأقمشة والأجواخ والأحجار الكريمة، كلّ هذه التجارات في ذلك البلد نامية زاهرة. وعلى الجملة، فإنّ حلب هذه هي أحسن نقطة في كلّ الولاية. ولذلك اتّخذها أكثر الملوك الفاتحين عاصمة ملكهم. ويقال إنّ جدّنا المرحوم إبراهيم باشا كان قد اتّخذها مركزاً للجنود والعساكر.

<<  <   >  >>