تَتجلّى لكَ الطبيعة آنا ... ثمّ آناً بِحُسنِها تَتوارى
وقد كان من أجمل المناظر الّتي يشاهدها المسافر ما كان يرى من تلك البقعة على وادي شهرور، وبعد أن يسير القطار مسافة ٢١ كيلومتراً من عرية يكون قد وصل إلى محطّة علية. وقد استقبلنا على إفريز تلك المحطّة جناب وكيل المتصرّف، حاملاً إلينا سلام دولته، وكان معه ثلّة من العساكر وبعض الأعيان وبعض الرؤساء الروحيّين. فشكرنا لحضراتهم هذا الاحتفال، بعد أن شكرنا من
صميم القلب دولة حاكم الجبال الّذي كان شديد العناية بسفرنا، عاملاً كلّ ما في وسعه لراحتنا وسرورنا، فضلاًَ عن أنّه كان عظيم الحرص على إجراء الرسميات والمظاهرات لمقدمنا في كلّ مقام ومكان في دائرة حكومته، إذ ما كنّا نقف على محطّة في طريق سيرنا حتّى نجد في اِستقبالنا اِستعداداً تامّاً من رجال الحكومة وأعيان البلاد، فيستقبلوننا بمزيد الحفاوة وكبير الاحترام. وكنّا نشاهد من البشر الّذي يتلألأ على وجوههم ما نستدل منه على صفاء سرائرهم وحسن طويّاتهم، وما زال يمرّ بنا القطار في وسط الجبل حيث كانت تستقبلنا الطبيعة بمناظرها البديعة حتّى وصلنا عين صوفر. ويقال إن هذا البلد أحسن بلاد الجبل هواء وأعذبها ماء وأكثرها اِزدحاماً بالمصطافين من أعيان مصر وغيرها. ولهذا السبب يوجد فيها فندق كبير من أحسن وأكبر الفنادق في بلاد الشام، كما أنّه يوجد فيها منازل كثيرة للإيجار مدّة مصيف الناس. وقد كان في استقبالنا على تلك المحطّة قومندان الجندرمة ومعه بعض العساكر فشكرناهم وكنّا نرى أثناء المسير مناظر الأشجار الكبيرة والبلدان الجسيمة تتصاغر أمام أعيننا كلّما اِزددنا صعوداً إلى الجبل ممّا كان يدلّ على زيادة العلو، خصوصاً وأن من عين صوفر يبتدئ شعور المسافر بالصعود المحسوس. ثمّ يجتاز القطار بعد ذلك بطن الجبل، فيمرّ هناك من نفقين كبيرين: يبلغ طول الأوّل نحو ٢٨٠ متراً، والثاني نحو ٣٦٠ متراً، ويسمّى هذا خان مراد أو بيدار. ثمّ يصل على محطّة بعيضان، وهي أعلى نقطة