وقد نظرنا، ثم تأملنا طويلاً فى موقف هؤلاء الصحابة الذين جعلهم الله، بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة لنا، من كل من الواجبات التى كلفهم الله بها وأنهضهم إليها، والحقوق التى بشرهم بها وتكفل لهم بإنجازها، فرأينا أنهم توجهوا بكل مشاعرهم وقدراتهم إلى الواجبات التى حملهم الله إياها، وسعوا فى ثبات واستمرار إلى النهوض بها، دون أن تطوف بأذهانهم أحلام تلك الحقوق التى وعدهم بها، ودون أن يدخروا شيئاً من جهودهم للبحث عن تلك الحقوق، بل دون أن يربطوا بين تلك الواجبات وهذه الحقوق بشئ من رابطة العلة والمعلول، أو الثمن والسلعة .. بل تأملنا فلم نجد إلا دافعاً خفياً واحداً ينهضهم إلى القيام بالوظائف التى ألزمهم الله بها، ألا وهو دافع العبودية والمملوكية لإلههم المالك.
ما إن يبايع الواحد منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً، حتى يعود إلى نفسه فيلزمها باتباع أوامر الله والانتهاء عن نواهيه، مجاهداً نفسه ضد أهوائها مطهراً ذاته من بقايا الجاهلية، ثم يقبل إلى من يعيل، ثم إلى سائر من حوله من عباد الله - سبحانه وتعالى - يعرفهم على الله ويبلغهم أوامره وأحكامه، مخترقاً إلى ذلك المخاطر كلها، مضحياً بحقوق نفسه إن أهينت، متجملاً بمشاعر الحب لعباد الله - عز وجل - والشفقة عليهم جميعاً، وقدوتهم فى ذلك كله سيدهم وحبيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولم يكن من شأن أى منهم أن يعود فى المساء إلى داره ليسأل نفسه: ومتى ننال الحق الذى وعدنا الله به؟ ومتى وكيف تكون الحاكمية فى الأرض